أماني إمام
تحل اليوم الجمعة 26 ديسمبر، الذكرى الحادية والخمسون لرحيل الفنان الكبير فريد الأطرش، أحد أبرز أعمدة الموسيقى العربية و«ملك العود»، والذي غادر عالمنا عام 1974 عن عمر ناهز 64 عامًا، بعد إصابته بأزمة قلبية في بيروت، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا خالدًا لا يزال حاضرًا في وجدان الجمهور العربي.
وُلد فريد الأطرش عام 1910 في جبل الدروز بسوريا، واضطر مع والدته عالية بنت المنذر وشقيقيه فؤاد وأسمهان إلى الفرار إلى القاهرة هربًا من ملاحقة الاحتلال الفرنسي لوالده فهد الأطرش، أحد رموز المقاومة الوطنية. وعاشت الأسرة حياة بسيطة في بدايتها بالقاهرة، حيث التحق فريد بمدرسة فرنسية، وبدأت تتشكل ملامح موهبته الموسيقية المبكرة.
وبرز نجم فريد الأطرش سريعًا كفنان شامل جمع بين الغناء والتمثيل والتلحين، ليصنع لنفسه مكانة فريدة في تاريخ الفن العربي. وشارك في 31 فيلمًا سينمائيًا، قام بإنتاج 18 منها، وغلب عليها الطابع الغنائي الذي مزج فيه الموسيقى بالدراما بمهارة لافتة. وكان من أبرز أعماله السينمائية فيلم «عفريتة هانم» الذي اعتبره الأقرب إلى قلبه، وفيلم «ودعت حبك» الذي جسّد فيه مشهد الوداع ببراعة أقنعت الجمهور برحيله الحقيقي، فيما كان فيلم «نغم في حياتي» آخر أعماله، وعُرض بعد وفاته بنحو ثمانية أشهر.
وترك فريد الأطرش إرثًا موسيقيًا ضخمًا، حيث لحن ما يقرب من 300 أغنية لنفسه، إلى جانب ألحان خالدة لعدد كبير من نجوم الغناء، من بينهم شقيقته أسمهان، وصباح، وشادية، ووديع الصافي. كما قدّم موسيقى تصويرية لعدد من الأفلام العربية الكبرى، وأسهم في تطوير شكل الأوبريت السينمائي بعد رواد الموسيقى العربية الكبار، رغم أن حياته العاطفية لم تكتمل، خاصة بعد فشل ارتباطه بناريمان ملكة جمال مصر آنذاك.
وشهدت مسيرة فريد الأطرش منافسة فنية شهيرة مع العندليب عبدالحليم حافظ، وصلت إلى ذروتها في سباق حفلات شم النسيم، وأثارت اهتمام الجمهور ووسائل الإعلام، قبل أن تنتهي هذه المنافسة بتصافٍ ودي، حيث اتفق النجمان على تقديم عمل مشترك من ألحان فريد، إلا أن القدر لم يمنحهما الفرصة لتحقيقه.
وعلى صعيد آخر، عُرف فريد الأطرش بانتمائه الشديد لنادي الزمالك، حيث كان يحيي حفلات لصالح النادي ويتبرع بإيراداتها للمساهمة في سداد ديونه، ما تسبب في خلافات عديدة مع مشجعي النادي الأهلي.
وفي جانب إنساني لافت، عُرف فريد بأخلاقه الرفيعة وطباعه الهادئة، وكان شديد التعلق بمصحف يحتفظ به دائمًا، مؤمنًا بأنه رمز للأمان في حياته، وقد تردد أنه شعر بقرب نهايته بعد فقدانه، ليرحل بالفعل بعد ذلك بنحو شهر ونصف.
ورغم إصرار عائلته على دفنه في بيروت، أعلن شقيقه فؤاد الأطرش تنفيذ وصيته بأن يُوارى جثمانه الثرى في القاهرة، حيث استقر مثواه الأخير في مقابر البساتين، إلى جوار شقيقته الفنانة أسمهان، ليظل اسم فريد الأطرش حاضرًا كأحد أعظم رموز الفن العربي عبر الأجيال.
