مقال ( ١ )
كتب م / رمضان بهيج
“غريزة الحياة أقوى من قسوة الحجر” ليس مجرد جملة شاعرية، بل هو قانون كوني نراه يتجسد في كل زاوية من زوايا هذا الكوكب. إنه الصراع الأبدي بين المادة الجامدة الصماء، وبين الروح التي تأبى الفناء.
إرادة البقاء: عندما تهزم الحياة صمت الصخور
في مشهد سينمائي متكرر في الطبيعة، قد تلمح نبتة صغيرة خضراء تشق طريقها من قلب صخرة صوانية صلبة. لا تملك هذه النبتة معاول حديدية، ولا تمتلك قوة العضلات، لكنها تمتلك ما هو أعتى من ذلك بكثير: غريزة الحياة.
1. الإصرار الناعم في مواجهة الصلابة
الحجر يمثل القسوة، الثبات، والجمود. هو رمز لكل ما هو ميت أو غير قابل للتغيير. أما الحياة، فهي الحركة، الليونة، والتجدد. ورغم أن المنطق المادي يقول إن الصلب يكسر اللين، إلا أن الواقع يثبت العكس؛ فالمياه القطرية قادرة على نحت الجبال، والجذور الضعيفة قادرة على تفتيت الصخور بمرور الوقت. إنها قوة الاستمرارية التي تفتقدها المادة الجامدة.
2. الإنسان: صراع الأمل مع “حجر” الظروف
لا تقتصر هذه الجملة على الطبيعة فحسب، بل هي جوهر التجربة الإنسانية. “الحجر” هنا قد يكون مجازاً للظروف القاسية، للفقر، للحروب، أو لليأس.
في المعاناة: نجد الإنسان يبتكر ويبني من وسط الركام.
في الأسر: تظل الروح حرة تحلم وراء الجدران الإسمنتية.
في الفقد: تولد عزيمة جديدة تدفع البشر لإعادة إعمار ما تهدم.
إن غريزة الحياة بداخلنا هي ذلك المحرك الخفي الذي يهمس لنا في لحظات السقوط: “انهض، لا تزال هناك فرصة ثانية”.
3. سر القوة: المرونة مقابل الهشاشة
يقول الفلاسفة إن الحجر رغم قوته الظاهرة فهو “هش” لأنه غير قابل للتكيف، إذا انكسر لا يلتئم. أما الحياة فهي “مرنة”، تمتلك القدرة على الالتفاف حول العوائق، وتغيير مسارها، والنمو في أقسى الظروف (مثل البكتيريا التي تعيش في أعماق المحيطات أو وسط الثلوج). غريزة الحياة ليست قوة تدميرية، بل هي قوة نفاذ.
“غريزة الحياة أقوى من قسوة الحجر” هي دعوة للتأمل في مكامن القوة بداخلنا. هي تذكير بأن العوائق مهما بلغت صلابتها، لا يمكنها أن تحجب ضوء الشمس للأبد عن بذرة صممت على أن تصبح شجرة. نحن لسنا ضحايا للظروف (الحجر)، بل نحن أسياد الإرادة (الحياة).
الحجر مجرد تشبية ليس إلا !! لأن الله كرم بعض من الحجارة فى سورة البقرة :
الآية الكريمة من سورة البقرة هي: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }. (آية ٧٤)
تأتي في سياق توبيخ بني إسرائيل على قسوة قلوبهم، حيث شبهها الله بالحجارة، مع أن بعض الحجارة فيها من الخير واللين ما ليس في قلوبهم، فمنها ما ينبع منه الماء، ومنها ما يتفجر منه الأنهار، ومنها ما يسقط من خشية الله.
