د.نادي شلقامي
ليست كل الخيبات صاخبة، فبعضها يأتي هادئًا كالموت البطيء، حين تكتشف أن من حسبتها يومًا رفيقة الدرب لم تكن سوى عابرة ظلّ، وأن الشراكة التي بُنيت على الوهم تسقط في أول اختبار. هذا المقال ليس بكاءً على أطلال، بل شهادة قاسية على خيانة المعنى، وانكسار الثقة، وانفضاض اللحن حين تغيب الروح.
كنتِ يومًا تُمسكين النغمة معي، نختلف فنتصالح، نتعثر فننهض، وكان اللحن—مهما اختل—يعود متماسكًا لأن اليدين كانتا معًا. لكنكِ اخترتِ التمرّد ساعة الشدة، والهروب حين اشتد العسر، وكأن الأصل رفاهية، والوفاء خيار مؤجل.
الشراكة ليست أسماءً على ورق، ولا صورًا تُعلّق على الجدران؛ الشراكة موقف. موقف في المرض، موقف في الضيق، موقف حين تضيق السبل ويغلق العالم أبوابه. هناك تُعرف المعادن.
هربتِ ليس لأن الطريق كان مستحيلاً، بل لأنكِ لم تؤمني بفكرة “معًا”. تركتِ العبء وحده، وكسرتِ الميزان، فصار العدل أثقل من أن يُحمل بيد واحدة. خِسّة الموقف لا تُقاس بكبر الخسارة، بل بوقت وقوعها؛ والخيانة هنا لم تكن خيانة جسد، بل خيانة عهد.
من يفرّ في العاصفة لا يعود قائدًا في الهدوء، ومن يساوم على الظهر المنحني لا يُؤتمن على المستقبل. لذا، لا عتاب بعد اليوم، ولا حسابات مشتركة في الوجدان قبل الدفاتر. اللحن يحتاج انسجامًا، وأنتِ اخترتِ الصمت حين كان الصوت واجبًا.
لهذا أقولها بوضوح لا يحتمل التأويل: لن تعزفي معي أي لحن بعد اليوم. ليس انتقامًا، بل حماية للمعنى. من خان الشراكة في أصعب لحظاتها، لا يُستعاد شريكًا في أبسطها. الطريق يمضي، والكرامة تقود، واللحن—إن عاد—سيكون مع من يعرف أن الوفاء ليس موسيقى تُسمَع، بل موقف يُعاش.
