بقلم: السيد عيد
جملة قصيرة، لكنها كافية لتفتح بابًا واسعًا على وجعٍ طويل، وجع لا يُرى بالعين، لكنه ينهش الروح ببطء.
في مجتمعاتنا، لا يُقاس العُري بغياب الثياب، بل بغياب العدل.
قد ترى رجلًا يرتدي أفخر البدل، لكنه عارٍ من الأمان، من الكرامة، من الحق في أن يُعامَل كإنسان. وقد ترى آخر لا يملك إلا قميصًا باهتًا، لكنه مستور بالقناعة، محاط بظهرٍ لا ينحني، وروحٍ لم تُكسَر بعد.
العري الحقيقي هو أن تُسلَب منك فرصتك، ثم يُطلب منك أن تبتسم.
أن يُكسى غيرك بالمناصب، بالأضواء، بالحصانة، بينما تُجرَّد أنت من أبسط حقوق السؤال: ليه؟
أن يصبح الصمت فضيلة حين يتكلم الظلم، وأن تتحول الشكوى إلى تهمة، والوجع إلى دليل إدانة.
نعيش زمنًا غريبًا زمنًا تختلط فيه الأحياء بالأموات.
ميتٌ يسير بيننا لأنه استسلم، وحيٌّ مدفون لأنه رفض أن يتشبه بالجثث.
لم نعد نعرف من الحي فينا، ذاك الذي يتنفس فقط؟ أم ذاك الذي يشعر، ويغضب، ويتألم؟
في الشارع، ترى الوجوه متشابهة، لكن القصص مختلفة.
كل وجه يحمل حكاية نزعٍ صامت:نزع حلم، نزع حق، نزع صوت.
وكلما زادت الكسوة على البعض، زاد العُري في البقية.
كأن العدالة بطانية قصيرة؛ إن غطّت رأس هذا، كشفت أقدام ذاك.
المؤلم ليس أن تُجرَّد، المؤلم أن يُقنعوك أن هذا طبيعي،
أن يقولوا لك: اصبر، بينما الصبر نفسه أصبح رفاهية لا يملكها إلا من شبع.
ومع ذلك…
لا يزال في هذا البلد أحياء بحق.أحياء لأنهم يرفضون أن يتعوّدوا، يرفضون أن يصبح الظلم مشهدًا عاديًا،
يرفضون أن يلبسوا ثوب النجاة على حساب عُري غيرهم.
هؤلاء هم الأحياء،حتى لو ساروا متعبين،حتى لو بدوا عراة في عيون المنتفعين.
أما الكسوة التي تُشترى بالصمت فهي أول ما يسقط عند أول ريح حق.
