ولاد.. أولاد حارتنــا جـــ٦ـ

بقلم / علي شعــــلان.
ثم إنفجرت فى البكاء والعويل فى لحظتها ، آخذاً ورقة أمى..وهي الوصاية ضاغطاً عليها حتى أصبحت كالجمرة الكروية المطاطة . وتركت أمي ترقد بسلام ولم أودعها ثم إنصرفت إلى الشارع واقفاً بين الناس المتكدسة حول نقالة الخشب التي تحمل أخى سفيان الشهيد على أكتاف ألوف من سكان الحارة تشيعه
إلى مثواه الأخير إلى قبر العائلة (عائلة التايه ) ؛ فلم اتجمهر معهم حباً في أخى ولا شوقاً في توديعه (من بعد مشهد الظلم والطغيان الذي تحسسته بأم عيناي ، فإن مشاعري قد جفت تماماً)لكن تجمهرت معهم ووقفت فى صفوف المشيعين لجنازة الدكتور الجامعي لآخذ في
خلثة البالطو الجامعي الذي تكفن به أخي
الشهيد الغارق فى دمائه الرثة دون ملاحظة أحد.
وبالفعل تحصلت عليه؛ لأرتديه فى الحال مواصلاً طريقي في إتجاه أقصى شمال الحارة وفقاً للنطاق الجغرافي وهو إتجاه عكسي تماما لطريق الجنازة ومنطقة المقابر الواقعة في أقصى جنوب الحارة .
ولم تعتريني حسابات ولم تسودني مشاعر .
ءآلآن؟! .. منصور فى طريق الذهاب بلا عودة إلى طريقاً لم يسلكه أحد من أولاد الحارة ولا حتى أحد أصدقائه الصبيان أو الفتيات من أولاد ولاد الحارة.
نعم ؛ سأصعد إلى منطقة ( النفق المظلم) ؛ لأطلق صيحاتى حتى أرى العالم خارج حواجز هذا النفق الذى يحاصر أهل الحارة جميعاً والذي يطبق على أنفاسها .
أترككم يا أهل الحارة تنعوا أحبتكم ،وتشيعوا مفارقيكم ، بما فيهم فراق أخي( بئس وداعى إن أعرضت جانباً ، مكتفياً مثلكم بتشيع جثمانه فقط). أترككم تلهوا وتعبثوا وأنتم قابعون في حارة يُطلق عليها “أشر بقعة فى العالم” . بقعة تجمع فيها الأموات ليعيشوا ويُدفن فيها الأحياء ليموتوا ! ..
بقعة لا تُحدد مصيرها بصناعة أيديها . بقعة لا يراها صُناع القرار في العوالم الخفية_( يعيشوا فوق النفق المظلم )_إلا مرحاض.
فلولا حُمّْرة الخجل لتقيَّؤُا علينا .
تركتكم فأتركونى أستنفذ خالص جهدى لأُحرركم ، بصعودي هذا النفق المظلم ولن أخترقه فقط إلا بسلاح العلم مهما وعدتكم بشعارات حنجورية فلن أصعدها إلا بالعلم لذلك تحصلت على وشاح “سفيان” ؛ لأُكمل المسيرة من بعده .
وبين كلماتى التشجيعية هذه والثورية تلك..كانت وصية أمي أمام مرأى عيْناي حين فتحت الوصية والتى تترنم فى أُذُني :(( يُحرُســـك الـــرب)).. بينما البالطو العلمى هو قوة وزينة ما أرتديه على أكتافي و بين ضلوعي
فما نطق لسانى_وأنا منطلق واحدًا موحدًا وحيدًا إلى إختراق الظلام وبئسهــا _ إلا :
(( لله دُرُّها ، أنا رآدُّها.
لله دُرُّها، أنا… أنا… أنا رآدُّها )).