الأدب

صراع النفس

سامح بسيوني 

 الصراعات غريزة في نفس كل إنسان، وكم من فيلسوف عاش هذا الصراع! وكأنه في بئر مغلق لا يعرف أوله من آخره، مياه كشوك يدمى القلوب قيل القدمين، وموجه يلطم في جانبيه بقسوة وغليان، وكأنها جهنم تميزت غيظًا وقهرًا.

يالها من لحظات عصيبة وأوقات تمر ببطء، كسحلفاة تسير في دروب صحراء فلاة لا تدري ما وجهتها ليس لها نجم تهتدي به، ولا قائد تسير خلفه بل هي في ظلمات فوق ظلمات تكاد لا ترى نفسها.

مسكين هذا الإنسان يظل طوال حياته يجري ويلهف وراء سراب وكأنه طفل يريد أن يمتلك كل شيء أمامه؛ لأنه لم يدرك بعد بأن كل شيء لا يُملك ولا يُدرك وكل شيء عنده بقدر.

هذا الصراع الذي عشته في حياتي علمني الكثير كيف أتعاطف؟ ومتى اقسو؟ وأين أهرب بنفسي إلى نفسي في مكان مجهول بداخلي التزم فيه صمتًا أخرج فيها ٱلامي ومعاناتي وأصارح في نفسي المليئة بالذنوب والمعاصي.

الصراع الحقيقي ليس بين شهواتنا وفضائلنا وانما بين ما أشتهي وأشتهي لا بين أشتهي وأحترم من اقوال (غازي القصيمي)

يالها من مقولة نرفع لها القبعة احترامًا؛ لأنها لخصت الكثير عما يخفيه الإنسان فالكثير ربما يروني العفيف الصادق المؤدب المحترم، ولكن هناك أنعكاس غريب في شخصيتي ما بين الهروب من باطل يشهوني إلى باطل يخفيني عن أعين الناس وتلك مصيبة أكبر وافزع في نفسي. 

دعني أصارحكم وأنا أقف أمام المرآة، وأنظر إلى ملامحي من أول مرة أستنكر نفسي بل وملامحي وكأني شخص آخر لست أنا وروحي تحدثني وتقول لي لماذا سكنت تلك النفس وملامحي تختلف عن طبيعتها؟ ياله من شعور قاس يجعل تلك الملامح تشيب كولدان اشتد عليهم تيار الحياة وأصبحوا يسبحون عكس تيارها الجارف.

صديقي دعني أخبرك بأمر ٱخر، بأنني دائمًا أهرب من نفسي وأحاول أن أنفصل عنها كوليد انقطع عنه الحبل السري فهو يريد الانفصال بشدة ولكنه في صراع لأنه سيواجه الحياة بعدما كان يشعر بدفء المكان، فأنا هذا الطفل يا صديقي، أحاول الهروب ولكني أخفيه عن الجميع.

يا له من صراع رهيب يعيشه الإنسان بين بحثه عن الحقيقة وعندما يقترب منها على بعد خطوات قليلة لا يحب أن يسمعها! آه منك أيها المسكين ستظل تخرج من دوامة إلى أخري ومن صراع إلى صراعات ومن عقبات إلى طريق مسدود، فأنت تعيش في مكان ليس له وطن أو عنوان واسمك عنوان للهموم.

أعترف بأنني أجهل الكثير عن العالم الخارجي، بل العالم الداخلي الذي يتمثل في نفسي وذاتي ومصارحتي وفراري من ذنب إلى ذنب أقبح ومن أكذوبة إلى نفاق أرذل ومن عزة نفس إلى انكسار وذلة ومن انتصار بين الناس إلى هزيمة وخوف من نفسي فأنا لم أعد هذا الشخص الذي يقف في المرٱة؟ يستعد ليوم جديد إنها حقيقة مرة بأنني أجهل نفسي وسيظل الصراع ممتد إلى ما لا نهاية بشرط أن يكون جيشك هو صراع حب وحلم والعنف والغلظة والنفاق خارج تلك العدة والعتاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى