مازن السيد
في وسط المدينة بين الزحمة وأصوات الناس،
يوجد مقهى صغير لا يحمل لافتة ولا يعلن عن نفسه.
الناس يسمّونه ببساطة “مقهى النسيان”.
يقال إن من يجلس فيه يترك جزءًا من حزنه في قاع فنجان قهوته.
الطاولات القديمة تحمل آثار أيدٍ كثيرة،
والكراسي الخشبية تئن من ثقل القصص التي سُمعت هنا.
رائحة البن تملأ المكان، لكنها لا تخفي وجعًا يتبخر مع البخار.
يأتي إليه كل من أتعبه الشوق،
ومن لم يجد طريقه بعد،
ومن يريد أن ينسى ولو للحظة واحدة.
في الركن الأيمن رجل في الستين،
يطلب القهوة نفسها منذ عشرين سنة،
ويقول إنه ما زال ينتظر رسالة من زمن بعيد.
وعلى الطاولة المقابلة فتاة في العشرين،
تحاول كتابة رسالة إلى نفسها القادمة،
لكن الورقة تبقى بيضاء كأن الكلمات تخاف أن تخرج.
في هذا المكان لا يسألك أحد عن اسمك،
ولا عن سبب مجيئك.
يكفي أن تجلس بصمت،
وسيفهم النادل نوع القهوة الذي يحتاجه قلبك اليوم.
القهوة هنا مُرّة لكنها صادقة.
تُصلح شيئًا صغيرًا فيك،
وتذكّرك بأن النسيان لا يحدث دفعة واحدة.
وقبل أن يُغلق صاحب المقهى الأبواب كل ليلة،
يطفئ الأنوار ببطء،
ويترك شمعة صغيرة مضاءة في المنتصف،
لعل غدًا يدخل أحدٌ يحتاج ضوءها،
ليجد طريقه إلى نفسه من جديد.
