بقلم السيد عيد
رامي سار خلف الرجل ذي العباءة الرمادية عبر السوق، وكلما خطا خطوة شعر أن الأرض تعرفه، كأنها تحفظ أثر قدميه منذ زمن بعيد. الوجوه حوله لم تكن غريبة تمامًا، فيها شيء مألوف أربكه؛ ابتسامات ناقصة، نظرات طويلة، وكأن الجميع يعرف سرًا عنه وهو آخر من يعلم.
توقف الرجل فجأة أمام باب خشبي ضخم، محفور عليه رمز غريب يشبه عينًا مفتوحة يتوسطها مفتاح مكسور. قال الرجل: هنا بدأ كل شيء… وهنا انتهى. مدّ يده وفتح الباب، فانسكب هواء بارد أعاد لرامي قشعريرة الزقاق الأول. في الداخل، كانت الغرفة شبه مطابقة للغرفة التي وجد فيها الدفتر، لكن أنظف، أكثر حياة، وكأن الزمن لم يمسّها بعد. على الطاولة كان الدفتر. نفس الغلاف الجلدي، نفس الخدش في الزاوية، لكنه هذه المرة كان مفتوحًا. اقترب رامي، وعيناه تجمدتا عند السطر الأخير المكتوب بخط يعرفه جيدًا… خطه هو: «إذا قرأت هذا، فاعلم أنك تأخرت مرة أخرى». تراجع خطوة للخلف، وصوته خرج مبحوحًا: ده مستحيل… أنا لسه ما كتبتش حاجة! ابتسم الرجل الرمادي ابتسامة ثقيلة وقال: لأنك لم تبدأ بعد… أنت تعيش الحلقة، رامي. كل مرة تصل إلى هنا، تنسى، وتعود لتبحث من جديد. قبل أن يسأله، انقلبت الصفحات وحدها، لتكشف أسماء وتواريخ وأحداثًا من حياة رامي نفسها: طفولته، مخاوفه، الليالي التي كان يستيقظ فيها مفزوعًا دون سبب، حتى اللحظة التي قرر فيها دخول المنزل المهجور. همس الصوت من جديد، لكنه هذه المرة خرج من داخله: المدينة لا تختار الغرباء… هي تستدعي أبناءها. رفع رامي رأسه ببطء ونظر إلى الرجل: أنا… أنا مين هنا؟ خلع الرجل عباءته، ومع سقوطها على الأرض رأى رامي وجهه الحقيقي؛ كان نسخة منه، أكبر سنًا، أكثر تعبًا، وعيناه تحملان ندم سنوات. قال النسخة الأخرى: أنت الحارس الأخير للسر… وكل مرة تحاول الهرب، تعيد المدينة استدعاءك بشكل مختلف. فجأة، سمع صوت باب يُفتح من بعيد، نفس صرير الباب في الزقاق الضيق. التفت رامي، ليجد نفسه واقفًا خارج المنزل المهجور، المصباح في يده، والباب أمامه مغلق بإحكام. تنفس بعمق وقال ساخرًا لنفسه: حلم… أكيد حلم. لكن حين نظر إلى يده وجد آثار حبر قديم على أصابعه، وفي جيبه مفتاح مكسور. النهاية… أم البداية؟
