بقلم السيد عيد
في زقاق ضيق من أزقة المدينة القديمة، حيث يختلط عبق التاريخ برائحة الغبار، كان هناك منزل مهجور لم يدخل إليه أحد منذ سنوات طويلة. كان السكان يتناقلون عنه قصصاً غريبة، تحكي عن أصوات غامضة تخرج منه في منتصف الليل، وأضواء خاطفة تلوح بين نوافذه المهشمة.
ذات مساء، قرر “رامي”، الشاب الفضولي، أن يكسر هذا الصمت المرعب. حمل مصباحه اليدوي، ودخل الزقاق بخطوات مترددة. كان الهواء بارداً، والصمت خانقاً إلا من وقع خطواته على الحصى المتناثر.
وصل إلى باب المنزل، فكان مغلقاً بإحكام، لكن، ولسبب لم يفهمه، وجد الباب ينفتح أمامه بسهولة. دخل وبدأ يتجول في الداخل، الغرفة تلو الأخرى، حتى وصل إلى غرفة صغيرة في الخلف. هناك، وجد دفتراً جلدياً قديمًا، موضوعًا على طاولة مغطاة بالأتربة.
فتح الدفتر ببطء، وبدأ يقرأ. كانت الكلمات تتحدث عن رجل يدعى “سليم”، عاش هنا منذ عقود، وكتب عن سر غامض يكمن في المدينة، سر يمكنه أن يغير حياة الناس إلى الأبد.
فجأة، سمع رامي صوت خطوات خلفه. التفت بسرعة، فلم يجد أحداً. عاد إلى الدفتر ليقرأ أكثر، لكن الصفحات كانت تتحرك من تلقاء نفسها، وكأن يداً غير مرئية تقلبها.
صرخ، وأخذ يركض نحو الباب، لكنه وجده قد أغلق بقوة. حاول فتحه دون جدوى. في تلك اللحظة، دخلت غرفة الظلال.
كانت ظلالاً تتحرك بلا شكل واضح، تتراقص على الجدران، وتهمس باسمه. “رامي… هل أنت مستعد لتعرف الحقيقة؟”
توقف قلبه عن الخفقان، لكنه وجد نفسه يهمس: “نعم… أريد أن أعرف.”
أضاءت الغرفة بضوء غريب، وفجأة، اختفى كل شيء من حوله، وكان رامي وحيداً في مكان لا يعرفه.
هل كانت المدينة القديمة مجرد بداية؟ أم أن هذا هو السر الحقيقي الذي تحدث عنه سليم؟
رامي وقف في ذلك المكان الغريب، حيث لا وجود لجدران أو أرض أو سقف، بل فقط فراغ شفاف متلألئ كأنه جزء من حلم أو كابوس. الصوت الذي همس باسمه عاد يرن في أذنيه، لكن هذه المرة بدا أقرب، أكثر وضوحًا.
“الحقيقة ليست ما تعتقده، رامي. أنت الآن على عتبة كشف سر المدينة القديمة… لكن عليك أن تختار طريقك بحذر.”
ظهر أمامه طريقان متوازيان من الضوء، كل منهما يؤدي إلى مصير مختلف. في طريق، كان يرى مشاهد من الماضي: المدينة كما كانت، الناس، الأسرار المدفونة، ووجوه تعود لعصور غابرة. في الطريق الآخر، كان يرى لمحات من المستقبل: المدينة تحت رحمة قوى غير مرئية، والتاريخ يعيد نفسه بطريقة أكثر ظلمة وغموضًا.
اقترب من الطريق الأول، حيث همس له صوت غامض: “اذهب إلى الماضي، واكشف ما كان مخفيًا، لتعيد التوازن إلى الحاضر.”
لكن الطريق الثاني كان يدعوه أيضاً: “تقدم إلى المستقبل، وارسم مصيرك، وغيّر ما لم يتمكن الآخرون من تغييره.”
وقف رامي يتردد، قلبه ينبض بقوة، عقله مشوش. في لحظة حاسمة، أغمض عينيه واختار.
فتح عينيه ليجد نفسه واقفًا في وسط المدينة القديمة، لكن ليس كما يعرفها. كل شيء مختلف. المباني متجددة، والناس حوله يرتدون ملابس من زمن بعيد، وكأنه عاد بالزمن إلى قرون ماضية.
لم يكن يعلم إن كان حلمًا أم حقيقة، لكن كان عليه أن يبدأ في حل اللغز. توجه نحو السوق القديم، وهناك التقى بشخص يرتدي عباءة رمادية، عيونه تخفي أسراراً كثيرة.
قال له الرجل بصوت هادئ: “أنت من اختار العودة. كل خطوة تخطوها ستكشف جزءاً من الحقيقة، لكن لا تنسى، ما تختاره سيغير مصيرنا جميعاً.”
بدأ رامي رحلة بحثه في تلك المدينة التي كانت تمزج بين الماضي والحاضر، ليكتشف أسرارًا دفينة، وعلاقات غير متوقعة، وأسرارًا يمكنها أن تقلب حياته رأساً على عقب.
