بقلم السيد عيد
رجعت إلى شقتي فوجدت مصيدة خشبية وسط الغرفة وكأنها صاحب المكان. الشارع خارجًا يصرخ عروضًا وبيعًا، أما داخل الشقة فالمشهد أبسط: قطعة جبن صغيرة وفأر رمادي يراقب بعين تقول: «أنا أيضًا كائن يبحث عن رزق».
الفأر لم يعد مجرد قارض من القوارض الصغيرة؛لقد صار رمزًا لحياةٍ تجبر الصغار على السرقة من أجل البقاء. حاولت أن أضربه بالمقشة فلم يهتم كأنّ المقشات التي نملكها لا تصلح إلا للعرض الإعلامي. وضعتُ في المصيدة إيصال استلام؛ لنكهات العصر لعل يُغلق المصيدة بتوقيعٍ ورقيّ.
خطر ببالي أن أكتب عن «حقوق الفئران»:وانا جالس علي المكتب لا ضرائب على الفتات، مخابئ آمنة، وحق نقاش مع القطط. الفأر نظر لي ساخرًا: «القلم جميل، لكن لا يطعم».
في المقهى المجاور، كان الجيران يتبادلون نصائح النجاة كأنهم في دورة تدريبية على العيش في زمنٍ بلا ضمانات. أحدهم يقترح إخفاء المال تحت الوسادة، وآخر ينصح بشراء الجبن بكوبونات مدعومة، وثالث يتحدث بثقةٍ عن حالة طوارئ اقتصادية لتخفيض سعر الجبن! الكلّ يتحدث، ولا أحد يضحك… إلا الفأر في مخيلتي.
تخيلته يقف على خشبة المسرح بربطة عنق صغيرة، يلقي خطابًا عن “فن النجاة في زمن المصائد”. أمامه سياسي يبرر، وبائع يهوّن، ومذيع يقرأ تغريدة عن الاستقرار، والجمهور يصفّق لأن التصفيق مجاني، أما الحقيقة فمدفوعة الأجر.
نظرت إلى المقشة في زاوية الغرفة، بدت لي كرمزٍ ساخرٍ أكثر منها أداة دفاع. المقشة تذكيرٌ بسيط بأن التغيير لا يحتاج إلى ضجيجٍ كبير، بل إلى وعيٍ يُحسن استخدام أبسط الأدوات.
وقبل أن تمتد يدك إلى قطعة الجبن القادمة، تذكّر: ليست كل قطعة رزقٍ تُقدَّم ببراءة، فبعضها مصيدة لامعة تحمل لافتة “الاستقرار”. والسؤال البسيط الذي يبقى: هل تأخذ الجبن… أم تفتح الباب وتبحث عن طريقٍ آخر؟
