الخزانة ( قصة قصيرة)

محمد منصور
يداهمني إحساس لاأدري مأتاه منذ الصباح الباكر بأن حدثاً ما سوف يحدث ، حدث يدهش الجميع فيتوقفون أمامه في حيرة.
هل كنت أحلم ؟
جائز
الحقيقة أنني لاأستطيع تحديد متى داهمني ذلك الشعور ، لقد غادرت فراشي خالي الذهن، لاأتذكر أنني كنت أحلم أو أن المنبه اللعين قد قطع حلماً ما كنت مستغرقاً فيه ، لاشئ من هذا قد حدث ، لكنه إحساس نبت فجأة من فراغ ودون سابق إنذار كأنه الوهم .
راجعت أحداث اليوم السابق فلم أجد فيها شيئاً يستحق أن أقلق بسببه، كل الأمور كانت تمضي بشكل طبيعي باستثناء ثورتي على فهمي مسؤول الصيانة الذي لم ينفذ طلبي له بإصلاح ضلفة خزانة الأوراق المكسورة .
– أكثر من أسبوع يافهمي وأنا أطلب منك إصلاح الخزانة.
كررت ذات الجملة كل يوم ، وفي كل يوم كان يعدني بأن إصلاح الخزانة لن يستغرق سوى بضع دقائق وأنه سيكون أول مايبدأ به عمل الغد .
بالأمس فقط فاض الكيل وثرت عليه وأسمعته مايكره ، هذه هي نهاية طول البال على كل حال .
قابل ثورتي بابتسامة عريضة ووعدني أن إصلاح الخزانة سيكون أول ماسيبدأ به في الغد .
يوم جديد وتسويف جديد . ربما كان هذا هو سبب الإحساس الذي داهمني بإلحاح منذ الصباح
ذلك الضيق الذي تسببت فيه رغبة تافهة في إنجاز عمل تافه قد لايستغرق دقائق ، ولأنه عمل تافه فقد كان فهمي يتركه جانباً منشغلاً بعمل أكبر. .
قررت اليوم ألا أدعه ينصرف من العمل قبل إصلاح الخزانة.
كل شئ في الشركة كان يمضي كالمعتاد حتى الساعة الأخيرة وعندما تهيأ فهمي للإنصراف صحت فيه من جديد
– الخزانة
بانت ملامح الغضب الحقيقي على وجهي ربما للمرة الأولى .
ودون أن ينطق بوعده المعتاد بأن يكون إصلاح الخزانة أول مايبدأ به عمله غداً ، اختفى بضع دقائق ثم عاد بالأدوات اللازمة وشرع في إصلاح باب الخزانة وظللت واقفاً معه حتى انهى العمل بالرغم من انتهاء ساعات الدوام وانصراف باقي الموظفين .
و حين كنت ألوح له مودعاً أمام باب الشركة ليمضي كل منا في اتجاه.
ابتسم هذه المرة ابتسامته العريضة وقال :
-أرجو ألا تغضب مني فهذه طبيعتنا كبشر ، نرجئ الأعمال البسيطة حتى تتوه في زحمة الأعمال الكبيرة .
اليوم لمحت في وجهك غضباً حقيقاً فأدركت أن ماأظنه عملاً بسيطاً هو في حقيقته عمل كبير بالنسبة لك.
– شكراً يافهمي .. أرأيت كيف أن الأمر لم يستغرق سوى دقائق معدودة .
– نعم هو كذلك .
ثم مد يده ليسلم عليَّ يداً بيد على غير العادة وقال :
– أرجو أن تكون قد سامحتني
قلت وأنا ابتسم مندهشاً
– طبعاً مسامحك يارجل ، وكيف لا أسامحك إنه أمر تافه .
قال بهدوء :
– الحمد لله
– أدار ظهره ومضى ، وفي المساء رن جرس الهاتف في منزلي ليقول لي المتحدث في جزع
– البقية في حياتك .. فهمي تعيش أنت.