الأدب

بين الأمل والظلام: قصيدة في رحلة الشوق للشاعر .محمود سامي البارودي

أحمد الأنصاري

تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ سَمِيرَةَ زَائِرٌ
وَمَا الطَّيْفُ إِلَّا مَا تُريهِ الْخَوَاطِرُ
طَوَى سُدْفَةَ الظَّلْمَاءِ وَاللَّيْلُ ضَارِبٌ
بِأَرْوَاقِهِ وَالنَّجْمُ بِالأُفْقِ حَائِرُ
فَيَا لَكَ مِنْ طَيْفٍ أَلَمَّ وَدُونَهُ
مُحِيطٌ مِنَ الْبَحْرِ الْجَنُوبِيِّ زَاخِرُ
تَخَطَّى إِليَّ الأَرْضَ وَجْدَاً وَمَا لَهُ
سِوَى نَزَواتِ الشَّوقِ حَادٍ وَزَاجِرُ

أَلَمَّ وَلَمْ يَلْبَثْ وَسَارَ وَلَيْتَهُ
أَقَامَ وَلَوْ طَالَتْ عَلَيَّ الدَّيَاجِرُ
تَحَمَّلَ أَتمهْوَالَ الظَّلامِ مُخَاطِراً
وَعَهْدِي بِمَنْ جَادَتْ بِهِ لا تُخَاطِرُ

خُمَاسِيَّةٌ لَمْ تَدْرِ مَا اللَّيْلُ وَالسُّرَى
وَلَمْ تَنْحَسِرْ عَنْ صَفْحَتَيْهَا السَّتَائِرُ
عَقِيلَةُ أَتْرَابٍ تَوَالَيْنَ حَوْلَهَا
كَمَا دَارَ بِالْبَدْرِ النُّجُومُ الزَّواهِرُ

غَوَافِلُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَةٍ
وَلا هُنَّ بِالْخَطْبِ الْمُلِمِّ شَواعِرُ
تَعَوَّدْنَ خَفْضَ الْعَيْشِ فِي ظِلِّ وَالِدٍ
رَحِيمٍ وَبَيْتٍ شَيَّدَتْهُ الْعَنَاصِرُ

فَهُنَّ كَعُنْقُودِ الثُّرَيَّا تَأَلَّقَتْ
كَواكِبُهُ فِي الأُفْقِ فَهْيَ سَوَافِرُ
تُمَثِّلُهَا الذِّكْرَى لِعَيْنِي كَأَنَّنِي
إِلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ مِنَ الأَرْضِ نَاظِرُ

فَطَوْرَاً أَخَالُ الظَّنَّ حَقَّاً وَتَارَةً
أَهِيمُ فَتَغْشَى مُقْلَتَيَّ السَّمَادِرُ
فَيَا بُعْدَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَّتِي
وَيَا قُرْبَ ما الْتَفْتْ عَلَيهِ الضَّمائِرُ

وَلَوْلا أَمَانِي النَّفْسِ وَهْيَ حَياتُهَا
لَمَا طَارَ لِي فَوْقَ الْبَسِيطَةِ طَائِرُ

محمود سامي البارودي كان شاعرًا مصريًا وُلد عام 1839، ويُعتبر من رواد الشعر العربي الحديث. قدّم إسهامات كبيرة في تجديد الشعر العربي التقليدي من خلال إضافة أساليب حديثة ومؤثرة. كان أيضًا ضابطًا في الجيش المصري وله دور كبير في مقاومة الاحتلال البريطاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى