قعدة بلدي.. “غيبة ونميمة… على الريق!”

بقلم: السيد عيد
في كل شارع، وكل مكتب، وكل “قعدة بلدي”، تجد هذه النوعية من الناس: بشر إن ضحكت أمامهم عبسوا، وإن ابتسمت ظنّوا أنك تسخر، وإن بلعوا ريقهم… تسمموا!
هم أناس يملكون قدرة خارقة على نشر السمّ بالكلام، وإن سكتوا، تسرب السمّ منهم في هيئة نظرة، أو تنهيدة، أو جملة نصفها غيبة، والنصف الآخر نميمة!
يعني ماذا؟ يعني إن جلست معهم، تجد الحديث يسير كالتالي:
– “رأيته ماذا فعل؟”
– “كنت أعلم من البداية أنه ليس بخير!”
– “ربنا يستر علينا بس…”
وفي وسط هذا الحديث، تراهم صائمين عن الطعام، لكن مفطرين على أعراض الناس. يلتهمون سيرة كل من غاب، ويغتابون من حضر، ويفتشون في نوايا الناس وكأنهم معتمدون من هيئة التفتيش الإلهي!
ولا يسمّون ذلك “غيبة”، بل يطلقون عليه أسماء أكثر لطفًا: “فضفضة”، أو “نصيحة”، أو “قلق على المصلحة العامة”. وإن قلت لهم: “كفى نميمة!”، يجيبون بثقة:
– “نحن نقول الحق!”
والحق، والله، بريء من وجوههم.
الأغرب من كل ذلك، أن الغيبة ليست لديهم وسيلة لتمضية الوقت، بل أصبحت أسلوب حياة. يستيقظون فيفتحون سيرة، يذهبون إلى العمل فيكملون عليها، يعودون إلى بيوتهم فينهون يومهم بتحليل منشورات الناس على مواقع التواصل الاجتماعي!
وإذا مرض أحدهم؟ لا يسألون عنه، بل يعقدون عليه حلقة نقاش عنوانها:
“لابد أن هناك شيئًا ما.. لم يكن طبيعيًّا أبدًا!”
أما إن حلت مصيبة بأحد؟ فهم أول من يعلم، وآخر من يسكت. لديهم كتالوج كامل لكل شخص، وكل تصرّف، وكل شائعة. وإن واجهتهم بقولك: “اتقوا الله”، يردّون:
“ما الذي فعلناه؟ نحن فقط نحكي ما حصل!”
وهنا يأتي السؤال الحقيقي:
لو بلع هؤلاء الناس ريقهم وسكتوا للحظة، هل ستختفي النميمة؟ ربما. لكن الأكيد… أنهم سيتسممون!
لأن الحديث عن الناس هو الهواء الذي يتنفسونه، والصمت لديهم بمثابة إنذار خطر!
لكن، ورغم كل ذلك، يبقى هناك أمل…
أمل أن تمرّ، وتبتسم، وتمضي، وتحافظ على قلبك نقيًّا، ولسانك نظيفًا، وأذنيك محصّنتين.
فالحياة قصيرة، ولا يصحّ أن نضيّعها في سيرة من غابوا، وسط من كلّما بلعوا ريقهم… تسمّمنا نحن!
وفي الختام نقول:
احمِ نفسك، اختر دائرتك، اجعل ريقك حلوًا، وسيرتك أنقى من مجالس النمّامين.
حال معظم البشر للأسف
ربنا يحفظنا منهم يارب