بقلم د.نادي شلقامي
يُعدّ الرجفان الأذيني (AFib) أحد أكثر اضطرابات النظم القلبي شيوعًا وخطورة. بدلاً من النبض المنتظم والمُنسق، تبدأ الحجرتان العلويتان للقلب (الأذينان) في الارتعاش أو الرفرفة بشكل فوضوي، مما يفقدهما القدرة على ضخ الدم بكفاءة إلى الحجرات السفلية. هذا الخلل لا يؤدي فقط إلى الشعور بأعراض مزعجة مثل الخفقان والتعب، ولكنه يضع المريض في مواجهة خطر حقيقي ومضاعفات تهدد الحياة، أبرزها السكتة الدماغية بسبب تكون الجلطات. يهدف هذا المقال إلى استكشاف تفاصيل هذه الحالة الصامتة أحيانًا، وتسليط الضوء على أسبابها، وكيفية تشخيصها، واستراتيجيات العلاج المتاحة للسيطرة عليها والوقاية من مضاعفاتها.
أولا…1-.ما هو الرجفان الأذيني؟
أ- التعريف: هو النوع الأكثر شيوعاً من اضطرابات نظم القلب (عدم انتظام ضربات القلب).
ب- الآلية: يحدث عندما تصبح الإشارات الكهربائية التي تتحكم في نبض القلب في الحجرتين العلويتين (الأذينين) فوضوية وعشوائية.
ج- النتيجة: بدلاً من انقباض الأذينين بفعالية لضخ الدم إلى البطينين، فإنهما “يرتجفان” بسرعة شديدة وبشكل غير منظم. هذا يقلل من كفاءة ضخ الدم إلى الجسم ويزيد بشكل كبير من خطر تكون الجلطات الدموية داخل القلب.
2-…. الأنواع:
أ- انتيابي (Paroxysmal): نوبات تأتي وتذهب من تلقاء نفسها أو بالتدخل خلال 7 أيام.
ب- مستمر (Persistent): يستمر لأكثر من 7 أيام ويتطلب علاجاً لإعادة ضبط النظم.
ج- دائم (Permanent): لا يمكن فيه استعادة النظم الطبيعي، ويتم التركيز على التحكم في سرعة القلب ومنع الجلطات.
ثانيا… أسباب وعوامل خطر الرجفان الأذيني
غالباً ما ينجم الرجفان الأذيني عن تلف أو إجهاد في هيكل القلب، تشمل العوامل ما يلي:
1- ارتفاع ضغط الدم: وهو أحد الأسباب الرئيسية الشائعة.
2- مرض الشريان التاجي: تضيق أو انسداد الأوعية الدموية التي تغذي القلب.
3- أمراض صمامات القلب: خاصة مشاكل الصمام الميترالي.
4- فشل القلب أو اعتلال عضلة القلب: ضعف في وظيفة القلب.
5- التقدم في السن: يزداد الخطر بشكل ملحوظ بعد سن 65 عاماً.
6- السمنة (البدانة).
7- توقف التنفس أثناء النوم: متلازمة شائعة تزيد من خطر الإصابة.
8- فرط نشاط الغدة الدرقية (التسمم الدرقي).
9- الإفراط في تناول الكحول أو الكافيين أو النيكوتين.
10- جراحة القلب السابقة.
11- الأمراض المزمنة: مثل داء السكري وأمراض الرئة المزمنة.
ثالثا…. أعراض الرجفان الأذيني
قد يكون الرجفان الأذيني صامتاً (بدون أعراض)، ولكن الأعراض الأكثر شيوعاً تشمل:
1-خفقان القلب (Palpitations): الشعور بضربات قلب سريعة أو قوية أو غير منتظمة (“رفرفة” أو “تخطي للنبض”).
2- التعب والإرهاق: الشعور بالضعف العام أو عدم القدرة على ممارسة النشاط البدني بسهولة.
3- ضيق التنفس: خاصة مع المجهود.
4-الدوخة والدوار: الشعور بعدم الثبات وقد يصل إلى الإغماء.
5- ألم أو ضيق في الصدر: وهو عرض يستدعي الانتباه الطبي الفوري.
6-القلق والارتباك.
رابعا…. تشخيص الرجفان الأذيني
يتم تأكيد التشخيص غالباً من خلال تسجيل النشاط الكهربائي للقلب:
1- تخطيط كهربية القلب (ECG/EKG): هو الاختبار الأساسي لتسجيل الإشارات الكهربائية وإظهار النظم غير المنتظم وغياب موجات الانقباض الأذيني المنظم (موجة P).
2- مراقبة هولتر (Holter Monitor): جهاز محمول يُلبس لمدة 24 ساعة أو أكثر لتسجيل نظم القلب باستمرار، وهو مفيد للتشخيص في حالة الرجفان الأذيني الانتيابي.
3- مخطط صدى القلب (Echocardiogram): باستخدام الموجات فوق الصوتية لتقييم صمامات القلب وهيكله ووظيفته، والكشف عن وجود جلطات.
4- مخطط صدى القلب عبر المريء (TEE): اختبار أكثر دقة يستخدم للكشف عن جلطات دموية داخل الأذين الأيسر، ويتم عادة قبل محاولة إعادة النظم الطبيعي.
5- اختبارات الدم: للبحث عن الأسباب الكامنة مثل فرط نشاط الغدة الدرقية أو مشاكل الكلى.
6- اختبار الجهد: لمعرفة كيفية استجابة القلب للنظم غير المنتظم أثناء النشاط.
خامسا…. علاج الرجفان الأذيني
يركز العلاج على ثلاث استراتيجيات رئيسية:
أ. منع السكتة الدماغية (الأولوية)
— مضادات التخثر (مخففات الدم): تُوصف الأدوية المضادة للتخثر (مثل الوارفارين أو مضادات التخثر الفموية المباشرة – DOACs) لمعظم المرضى لتقليل خطر تكوين الجلطات. يتم تحديد الحاجة إليها باستخدام مقياس (CHA₂DS₂-VASc Score).
ب. التحكم في سرعة القلب (Rate Control)
يهدف إلى إبطاء سرعة ضربات البطينين لمنع الضرر وتحسين الأعراض، ويتم باستخدام الأدوية التالية:
1-حاصرات بيتا (Beta Blockers).
2-حاصرات قنوات الكالسيوم (Calcium Channel Blockers).
3 الديجوكسين (Digoxin).
ج. التحكم في النظم (Rhythm Control)
يهدف إلى استعادة النظم الطبيعي للقلب والحفاظ عليه:
1- تقويم نظم القلب (Cardioversion):
أ- دوائي: باستخدام أدوية مضادة لاضطراب النظم.
ب- كهربائي: يتم فيه إعطاء صدمة كهربائية خفيفة للقلب لإعادة ضبطه.
2- استئصال أو كيّ القسطرة (Catheter Ablation): إجراء يتم فيه استخدام طاقة حرارية أو برودة (كيّ أو تجميد) لتدمير الأنسجة الصغيرة في القلب المسؤولة عن بدء الإشارات الكهربائية الفوضوية.
3- جراحة المتاهة (Maze Procedure): إجراء جراحي يستخدم أحياناً أثناء جراحة قلب مفتوح لإحداث مسارات ندبية لعرقلة الإشارات الكهربائية الشاردة.
في الختام، يمثل الرجفان الأذيني تحديًا صحيًا معقدًا، ولكنه قابل للإدارة بفعالية. لقد تطورت استراتيجيات العلاج لتشمل محورين أساسيين: التحكم في سرعة ونظم القلب عبر الأدوية وتقنيات مثل الكي بالقسطرة، والوقاية الحاسمة من الجلطات باستخدام مضادات التخثر. ومع ذلك، يبقى الدور الأكبر للمريض؛ إذ إن السيطرة على عوامل الخطر مثل ارتفاع ضغط الدم والوزن المرتفع، واعتماد نمط حياة صحي، هي الركائز التي تضمن نجاح أي تدخل طبي. التوعية والتشخيص المبكر والالتزام بالعلاج هي مفاتيح رئيسية لتمكين المصابين بالرجفان الأذيني من الحفاظ على نوعية حياتهم وتقليل خطر التعرض لمضاعفاته الخطيرة.
