بقلم السيد عيد
استيقظ العالم ذات صباح، وقرر أن يكون حكيمًا.
ارتدى الناس ملامح الجديّة، وصاروا يتحدثون عن “الوعي”، و”الطاقة”، و”توازن الكون”، حتى عامل القهوة صار ينادي الزبائن بـ”رفاق الرحلة”!
ولمّا سألوه: أي رحلة؟
قال بثقةٍ عجيبة: “رحلة البحث عن الذات.”
يا سلام!
كأن الذات ضاعت في محطة مصر، ونحتاج من ينادي في الميكروفون: “عُثر على ذاتٍ تائهة، من صاحبها؟!”
كثُر الفلاسفة لدرجة أن الحكمة أصبحت أرخص من البصل.
الجميع يوزّع دروسًا في الحياة، والمفارقة أنهم أنفسهم لا يعرفون كيف يعيشونها.
أحدهم يكتب منشورًا عن الرضا، ثم ينهار لأن هاتفه القديم لا يدعم التحديث الجديد.
وآخر ينادي بالسلام الداخلي، ثم يتشاجر مع بائع الخضار لأن الطماطم رخُصت بعد أن اشتراها غالية!
أصبحنا نخلط بين العمق والادعاء،
فكل من تحدث ببطء صار فيلسوفًا،
وكل من نظر إلى السماء خمس ثوانٍ عُدَّ مفكرًا يتأمل الوجود.
الناس لا تقرأ لتفهم، بل لتجد جملةً تكتبها على صورة فنجان قهوة.
الحياة أبسط من أن تُحشر في اقتباس،
وأعقد من أن تُختزل في فيديو تحفيزي.
نحتاج فقط أن نعيشها، لا أن نحلّلها كمسألةٍ في المنطق الأرسطي.
أما الفلسفة الحقيقية؟
فهي أن تضحك على نفسك قليلًا قبل أن تضحك على الآخرين.
أن تدرك أنك مهما ادّعيت الفهم، ستبقى تسأل السؤال الأول:
“هو أنا ليه بصحى بدري كل يوم؟”
وهكذا يا صديقي…
حين قرر العالم أن يتفلسف، نسي أن الحكمة لا تسكن الكتب، بل تسكن القلوب التي تعرف كيف تضحك دون أن تفقد عمقها.
