مقالات

مصر تعود بقوة : قراءة في خطاب الرئيس السيسي بالقمة العربية ببغداد 

 

 

بقلم /  عادل النمر

 

ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي خطابًا بالغ الأهمية خلال القمة العربية الرابعة والثلاثين التي عُقدت في بغداد، كاشفًا فيه عن ملامح التوجه المصري إزاء القضايا الإقليمية والدولية، من خلال رؤية استراتيجية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: الضغط الدولي، الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وتقديم مصر كوسيط مسؤول وفاعل.

في بداية الخطاب، وجّه الرئيس السيسي رسالة صريحة إلى الولايات المتحدة، مطالبًا إياها باستخدام نفوذها الفعلي للضغط على إسرائيل من أجل تحقيق السلام. وتكشف هذه الرسالة عن وعي مصري دقيق بطبيعة موازين القوى الدولية، حيث تعتبر واشنطن الطرف الوحيد القادر على التأثير الفعلي في القرار الإسرائيلي، لا سيما خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي عُرفت بدعمها غير المحدود لإسرائيل. ورغم ذلك، لم تتخلّ مصر عن دورها التاريخي في قيادة المبادرة العربية، بل حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية فرض حلول واقعية ومقبولة.

وأكد السيسي أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 لا تُعد خيارًا نظريًا أو حلمًا بعيد المنال، بل ضرورة أمنية حيوية لاستقرار المنطقة. وهو موقف راسخ لمصر منذ توقيع اتفاقيات أوسلو وحتى اليوم. وفي ضوء التصعيد المستمر في قطاع غزة، أعاد السيسي طرح هذا الخيار باعتباره الطريق الوحيد للخروج من دوامة العنف، محذرًا من أن البديل هو استمرار النزيف والاضطراب في المنطقة.

وفي إشارة إلى جهود مصر في الوساطة، أعلن الرئيس أن القاهرة تنسق مع كل من قطر والولايات المتحدة لضمان وقف إطلاق النار في غزة، في خطوة تعبّر عن انفتاح مصري على التنسيق الإقليمي حتى مع أطراف كانت تعد سابقًا خصومًا سياسيين. ويعكس ذلك توجهًا نحو توحيد الجهود بدلًا من التنافس على أدوار الوساطة، في محاولة لصياغة مقاربة شاملة وأكثر فاعلية.

وفي لهجة حادة ومباشرة، اتهم السيسي إسرائيل بالسعي لتحويل غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة، واصفًا الوضع الإنساني المتدهور هناك بأنه نتيجة “لسياسة متعمدة”. كما أشار إلى استخدام آلة الحرب الإسرائيلية لأسلوب “التجويع والتدمير” كسلاح، معتبرًا ذلك عقابًا جماعيًا يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. ومن شأن هذه التصريحات أن تمهّد لموقف قانوني قد تتبناه مصر في المحافل الدولية كالأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية.

 

وفي الشأن اللبناني، حذر الرئيس من تدهور الوضع إذا لم يُطبق قرار مجلس الأمن 1701، مطالبًا بضبط الحدود اللبنانية الإسرائيلية كشرط أساسي لمنع اندلاع مواجهة جديدة، لا سيما في ظل التوتر القائم بين حزب الله وإسرائيل.

 

وبشأن سوريا، أبدت مصر موقفًا براغماتيًا، إذ دعا السيسي إلى أن يكون رفع العقوبات الغربية موجهًا نحو خدمة الشعب السوري، لا دعمًا للنظام فقط، في إشارة إلى ضرورة توظيف الانفراجة الاقتصادية المحتملة لتحسين الأوضاع الإنسانية.

 

أما فيما يتعلق بباب المندب والبحر الأحمر، فقد شدد السيسي على أن عودة الملاحة الآمنة في هذه الممرات الحيوية لا تُعد شأنًا إقليميًا فحسب، بل مسألة أمن قومي مباشر لمصر، لما لها من تأثير على قناة السويس ومصالح مصر الاقتصادية والعسكرية.

 

خلاصة الخطاب تعكس عودة مصر بقوة إلى طاولة القرار العربي، حيث تُمسك بأكثر من خيط في القضايا الكبرى، وتؤكد رفضها الصريح لمشاريع التهجير، والتجويع، والتقسيم التي تُطرح في الخفاء. وقد جاءت نبرة الخطاب حازمة ومدروسة في آن، تجمع بين التصعيد السياسي المدروس والحرص على عدم الانزلاق إلى مواجهة مباشرة.

 

حفظ الله مصر وقيادتها الحكيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى