لا تغتر بثباتك فهو نعمة لا إنجاز

د/ حمدان محمد
في زمن كثرت فيه الفتن وتبدلت فيه القلوب وأصبحت الثوابت عملة نادرة صار الثبات على طريق الهداية نعمة عظيمة لا يحوزها الإنسان بجهده ولا ينالها باجتهاده وإنما هي محض رحمة من الله وتوفيق منه قال الله تعالى
(بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين)
فليس كل من عمل عملا صالحا ضمن لنفسه الثبات فكم من عامل اجتهد ثم انتكس وكم من غافل غمرته رحمة الله فاهتدى ورجع وأناب
وقد خاطب الله نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم قائلا
(ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا)
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق يحتاج إلى تثبيت من ربه فكيف بحالنا نحن الضعفاء فإن الثبات نعمة ينبغي أن نحمد الله عليها ليل نهار لا أن نغتر بها ولا أن ننظر لمن ضل نظرة استعلاء فالله تعالى يقول
(ولولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول
(يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)
رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح
فالثبات ليس بقدرتك ولا بحكمتك ولا بعملك وإنما هو برحمة الله وهدايته ولذا كان من دعاء المؤمنين
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن
القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)
رواه مسلم في صحيحه
ولذلك كان الصالحون يعيشون بين خوف ورجاء
خوف من أن يزيغ القلب بعد الهداية
ورجاء أن يثبتهم الله حتى يلقوه على الإيمان
فمن أعظم ما ينبغي أن يحرص عليه العبد أن يسأل الله الثبات وأن يفر من أسباب الفتن وأن يظل متواضعا مهما عمل من طاعة لأنه لا يدري ما يختم له به
قال الله تعالى
(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)
فالثبات الحقيقي نعمة تدوم بالدعاء والخشية والرجاء وليست إنجازا شخصيا يتفاخر به العبد أو يغتر بنفسه بسببه فلتعلم أيها العبد أن الثبات نعمة عظيمة لا تكتسب بالجهد وحده بل بتوفيق الله ورحمته فلا تغتر بعملك ولا تيأس من تقصيرك وكن دوما معلق القلب بالله راجيا رحمته خائفا من سلب نعمته
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الثبات على الإيمان حتى نلقاه وهو راض عنا