بقلم: جمال حشاد
في سجل الفن المصري والعربي، يسطع اسم شادية كواحدة من أنقى وأصدق الأصوات، وكممثلة موهوبة أضاءت الشاشة بروحها وخفّتها وصدق أدائها. لم تكن مجرد فنانة، بل كانت حالة فنية وإنسانية متفرّدة.
وُلدت فاطمة أحمد شاكر، المعروفة فنيًا بـ”شادية”، في الثامن من فبراير عام 1931، بحي الحلمية الجديدة بالقاهرة، في كنف أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة. كان والدها مهندسًا زراعيًا، وقد لمس مبكرًا موهبة ابنته فشجعها على دخول عالم الفن، وهي لا تزال في السادسة عشرة من عمرها. وكان ظهورها الأول عام 1947 من خلال فيلم “أزهار وأشواك”، إيذانًا ببداية مسيرة حافلة استمرت عقودًا.
المسيرة الفنية
التمثيل: تنوع وتميّز
قدّمت شادية أكثر من 114 فيلمًا، تنقّلت فيها ببراعة بين الكوميديا والرومانسية والدراما الاجتماعية والسياسية. ومن أبرز أعمالها:
- المرأة المجهولة (1959)
- شيء من الخوف (1969)
- مراتي مدير عام
- الزوجة 13
- اللص والكلاب
جمعتها الشاشة بكبار النجوم: كمال الشناوي، فريد شوقي، عبد الحليم حافظ، وعماد حمدي الذي تزوجته لفترة. وكان أداؤها عفويًا، قريبًا من الناس، نابضًا بالصدق، وهو ما جعلها محبوبة الجماهير على مدار أجيال.
الغناء: صوت لا يُنسى
بصوتها الدافئ وأسلوبها الغنائي الفريد، تركت شادية إرثًا غنائيًا غنيًا يشمل الأغاني العاطفية والوطنية. من أشهر أغانيها:
- يا حبيبتي يا مصر
- سيد الحبايب
- قولوا لعين الشمس
- إن راح منك يا عين
تعاونت مع كبار الملحنين مثل بليغ حمدي الذي لحّن لها أكثر من 72 أغنية، ومنير مراد بما يقرب من 80 أغنية، كما كتب لها الشاعر فتحي قورة حوالي 118 أغنية.
الاعتزال والتفرغ للروح
في أواخر الثمانينات، قررت شادية اعتزال الفن نهائيًا بعد تقديمها لمسرحية “ريا وسكينة”. كان قرارها نابعًا من قناعة داخلية عميقة، حيث ارتدت الحجاب وابتعدت عن الأضواء، متفرغة للعبادة والعمل الخيري. لم يكن اعتزالًا هروبًا من الفن، بل احترامًا له، ووفاءً لجمهورها الذي أحبها على مدار عقود.
حياتها الخاصة
تزوجت شادية ثلاث مرات، أبرزها من الفنان عماد حمدي، ثم من المهندس عز الدين عبد الله، وأخيرًا من الفنان صلاح ذو الفقار، لكنها لم تُرزق بأبناء. ورغم شهرتها الكبيرة، احتفظت بخصوصية حياتها بعيدًا عن ضجيج الإعلام.
الرحيل الصامت لجوهرة مصر
في يوم 28 نوفمبر 2017، رحلت شادية عن عمر ناهز 86 عامًا، بعد صراع مع المرض. شيّعها ملايين المصريين في جنازة مهيبة، ونعوها بكلمات مؤثرة، مجمعين على أن مصر فقدت رمزًا من رموزها الفنية والإنسانية.
أرقام قياسية لا تُكسر
تركت شادية بصمات لا تمحى، وأرقامًا لا تزال صامدة أمام الزمن:
- أكثر ممثلة قدمت أفلامًا في عام واحد بدور بطولة أول (13 فيلمًا في عام واحد).
- أكثر ممثلة دور أول في تاريخ السينما المصرية (114 فيلمًا).
- أكثر مطربة مثّلت أفلامًا بلا غناء (10 أفلام)، منها “اللص والكلاب” و”مراتي مدير عام”.
- أفلامها ظلت ضمن أعلى الإيرادات لأكثر من 25 عامًا.
- أكثر من جسّدت أعمال نجيب محفوظ (4 أفلام).
- أكثر من غنّت من ألحان بليغ حمدي، ومنير مراد، ومن كلمات فتحي قورة.
- أكثر مطربة لها أفلام مدرجة ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصري (6 أفلام).
شادية.. واحة فنية وروحية
إن سيرة الفنانة شادية ليست فقط عن فنانة عظيمة، بل عن إنسانة اختارت أن تُنهي مشوارها في قمة العطاء، محافظة على صورتها النقية في قلوب محبيها.
رحم الله شادية، وأسكنها فسيح جناته. ستبقى أغانيها، وأفلامها، وبصمتها، نبضًا حيًّا في ذاكرة الفن العربي.
