دارين عوض
القدس – تشهد الساحة السياسية والاجتماعية في إسرائيل تصاعداً كبيراً في التوترات مع عودة قضية تجنيد اليهود الأرثوذكس المتشددين، المعروفين باسم “الحريديم”، إلى الواجهة. هذه القضية الممتدة منذ عقود باتت اليوم نقطة خلاف حاسمة تهدد استقرار الائتلاف الحكومي وتعزز الانقسامات داخل المجتمع.
وقد بلغ الجدل ذروته بعد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية في يونيو الماضي، الذي نص على أنه لا يوجد أساس قانوني لإعفاء طلاب المدارس الدينية “يشيفا” من الخدمة العسكرية. القرار ألغى الإعفاءات التي استمرت لعقود، وألزم الحكومة باتخاذ خطوات لتجنيد هؤلاء الشبان، مما وضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مأزق سياسي معقد.
منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، منح الحريديم إعفاءً من الخدمة العسكرية بقرار من رئيس الوزراء آنذاك ديفيد بن غوريون، باعتبار أن دراستهم للتوراة تمثل “مساهمة روحية” في أمن الدولة. ومع تضاعف أعداد الحريديم بشكل كبير، أصبحت هذه الإعفاءات محل جدل واسع. ففي حين يخدم غالبية الشباب الإسرائيليين إلزامياً بين 30 و36 شهراً، يتمتع عشرات الآلاف من الحريديم بإعفاء كامل.
الائتلاف الحاكم يواجه ضغوطاً متزايدة، خاصة مع وجود أحزاب دينية قوية مثل “شاس” و”يهدوت هتوراة”، التي ترفض بشكل قاطع أي محاولة لفرض الخدمة العسكرية على أبنائها، وتعتبر الأمر مساساً بهويتها الدينية. هذه الأحزاب هددت أكثر من مرة بالانسحاب من الحكومة إذا تم تمرير قانون يلزمهم بالتجنيد. في المقابل، تطالب أحزاب المعارضة وقطاعات واسعة من المجتمع بإنهاء الإعفاءات، معتبرة أن الوضع الحالي يفتقر للعدالة، خصوصاً مع الظروف الأمنية المتوترة وازدياد الحاجة للجنود. وقد خرجت مظاهرات حاشدة في تل أبيب ومدن أخرى دعماً لمبدأ المساواة في الخدمة.
قرار المحكمة العليا لم يكن مجرد حكم قانوني، بل مثّل أزمة سياسية واقتصادية. فعلى الصعيد السياسي، وضع نتنياهو أمام خيارين أحلاهما مر: إما خسارة شركائه في الائتلاف والدخول في أزمة حكومية، أو تجاهل القرار القضائي بما قد يفتح الباب أمام أزمة دستورية غير مسبوقة. أما اقتصادياً، فإن استمرار عزوف شريحة كبيرة من الحريديم عن الخدمة والعمل يمثل عبئاً على الاقتصاد، بينما يسهم دمجهم في الجيش أو سوق العمل في تعزيز القوى العاملة ودعم الاقتصاد.
ومع كل هذه التعقيدات، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى إيجاد تسوية وسطية تُرضي الأطراف المختلفة، غير أن أي حل متوقع سيظل مؤقتاً، لأن جوهر الخلاف يتعلق بمكانة الدين داخل الدولة ومبدأ “المساواة في العبء”. وتظل قضية تجنيد الحريديم رمزاً للانقسام العميق الذي يهدد المجتمع الإسرائيلي ويثير تساؤلات حول هويته ومستقبله
