ديني

السحر في الدراما.. السم في العسل!

د/حمدان محمد
في الآونة الأخيرة، بتنا نشهد ظاهرة خطيرة تتمثل في ازدياد عدد المسلسلات التي تُروّج للسحر والشعوذة، حتى أصبح الأمر وكأنه ظاهرة متعمدة تهدف إلى تطبيع هذه المفاهيم في عقول المشاهدين، لا سيما الشباب والأطفال. فبعد أن كانت الدراما تتناول قضايا مجتمعية هادفة، أصبحت ساحات لتمجيد السحر وإظهاره كأنه قوة خارقة تجلب النجاح وتحقق الأمنيات، متجاهلةً تمامًا التحذيرات الشرعية من خطورته وآثاره التدميرية على الأفراد والمجتمع
فإن السحر ليس مجرد خيال درامي أو قصة شيقة تُقدَّم للترفيه، بل هو حقيقة خطيرة حذّر منها القرآن الكريم والسنة النبوية، لما له من آثار مدمرة على العقيدة والمجتمع. يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ (طه: 69).
كما قال سبحانه وتعالى:
﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ (البقرة: 102)، مما يدل على أن السحر من أبواب الكفر، وأن ممارسته أو الاعتقاد بفعاليته يوقع الإنسان في خطر عظيم.
وروى النبي ﷺ في الحديث الصحيح: “اجتنبوا السبع الموبقات“، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: “الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق…” (رواه البخاري ومسلم).
وهذا دليل صريح على أن السحر من الكبائر التي تهدم الإيمان، ومع ذلك نجد الدراما اليوم تروج له بشكل غير مسبوق، حتى بات يُقدَّم كأنه وسيلة لحل المشكلات أو تحقيق الأحلام.
ما يحدث في الإعلام ليس عفويًا، بل هو جزء من عملية طويلة الأمد تهدف إلى غرس قيم جديدة في المجتمعات، والقضاء على المفاهيم الدينية والثوابت الأخلاقية. ومن أبرز وسائل هذه الحملة:
1. إظهار السحر وكأنه أمر طبيعي أو ممتع، بحيث يصبح عنصرًا مشوقًا في الحبكة الدرامية.
2. ربط السحر بالشخصيات القوية والناجحة، مما يجعل الجمهور يتعاطف معهم، ويُبهر بالقوة التي يمتلكونها.
3. إضفاء طابع جمالي على السحر، من خلال المؤثرات البصرية والإخراج الفني، حتى يبدو وكأنه شيء سحري ساحر لا خطورة فيه.
4. الاستهزاء بالمفاهيم الدينية، من خلال تقديم الشخصيات المتدينة كأشخاص ساذجين أو رجعيين يرفضون “التطور”، مقابل تمجيد الشخصيات التي تلجأ إلى السحر وكأنها تمتلك الحكمة الحقيقية.
ومن المعلوم أن هذه الموجة من المسلسلات تؤدي إلى نتائج خطيرة على مستوى الفرد والمجتمع، منها:
1. ضعف العقيدة والإيمان، حيث يبدأ المشاهدون بالتساؤل عن حقيقة السحر وقدرته، ما قد يدفع البعض للبحث عنه وتصديقه.
2. انتشار الجهل والخرافات، فمع تكرار هذه المشاهد، يصبح الناس أكثر ميلاً لتصديق الدجالين والمشعوذين الذين يزعمون امتلاك قدرات خارقة.
3. التأثير على الأطفال والمراهقين، الذين ينشأون وهم يرون السحر أمرًا عاديًا، وربما يبحثون عنه أو يقلدونه دون إدراك لخطورته الحقيقية.
4. تفكيك القيم الإسلامية، إذ يُستبدَل التوكل على الله والاعتماد على العمل والجهد، بالإيمان بقوى غيبية مزعومة.
ولكن أمام هذا الخطر الداهم، لا بد أن يكون هناك تحرك جاد من كافة فئات المجتمع، سواء العلماء والدعاة أو الإعلاميين والمثقفين، وكذلك الأسرة والمدرسة. ومن أهم الخطوات التي يجب اتخاذها:
1. زيادة الوعي الديني، من خلال تكثيف البرامج والمحاضرات التي تبين خطورة السحر والشعوذة، وتوضح المفاهيم الإسلامية الصحيحة حول هذه القضايا.
2. مقاطعة هذه الأعمال الدرامية، وعدم دعمها بأي شكل من الأشكال، والضغط على صُنّاع المحتوى لإيقاف هذا الترويج غير الأخلاقي.
3. إنتاج بدائل درامية هادفة، تبرز القيم الحقيقية، وتعيد تقديم النماذج الإيجابية التي تحتذي بها الأجيال الجديدة.
4. تعزيز الرقابة الأسرية، من خلال متابعة المحتوى الذي يشاهده الأبناء، وشرح خطورة بعض الأفكار التي يتم الترويج لها في الإعلام.
5. سنّ تشريعات قانونية تمنع الترويج للسحر والشعوذة، كما هو الحال في بعض الدول التي تجرّم هذه الممارسات.
وختامًا.. احذروا السم في العسل!
إننا أمام معركة فكرية وثقافية لا تقل خطورة عن أي تهديد آخر يواجه مجتمعاتنا، فالدراما لم تعد مجرد وسيلة ترفيهية، بل أصبحت أداة لتغيير القيم والمعتقدات، ولهذا يجب أن نكون على وعي كامل بما يُقدَّم لنا ولأبنائنا.
والأهم من ذلك، أن نتمسك بديننا وتعاليمه، وألا ننجرف خلف هذه الدعايات المسمومة التي تحاول أن تجعلنا نستهين بالسحر، أو نراه مجرد “ترفيه”، فقد قال الله تعالى:
﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (النساء: 76).
لكن ضعفه لا يعني أنه غير موجود، بل علينا أن نكون على حذر، وألا نسمح له أن يتسلل إلى قلوبنا وعقولنا من خلال الشاشة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى