د. فرج العادلي
هناك قديما وفي خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءته امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل.. فقال لها: نعم الزوج زوجك، فجعلت تكرر عليه القول, وهو يكرر عليها الجواب، فقال له كعب بن سورٍ الأسدي: يا أمير المؤمنين، هذه امرأة تشكو زوجها في مباعدته إيَّاها في فراشه.
فقال له سيدنا عمر رضي الله عنه: كما فهمت كلامها فاقضِ بينهما، فقال كعبٌ عليَّ بزوجها، فأُتي به، فقال: إن امرأتك تشكوك، فقال: أفي طعام أو شرابٍ؟ قال: لا في واحد منهما بل في شيء آخر …
وقال له: إن الله قد أحلَّ لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، فلك ثلاثة أيام ولياليهنَّ تعبدُ فيهنَّ ربك، ولها يومٌ وليلةٌ،
فقال عمر لكعب رضي الله عنهما: والله ما أدري من أي أمرَيك أعجبُ! أمن فهمك أمرهما ؟ أم من حكمك بينهما ؟ اذهب فقد وليتك القضاء بالبصرة.
والحقيقة من وجهة نظري هذه قصة مدهشة من جوانبها الأربع:
الأول الخليفة:
الذي كان يحسن الظن مع قدرته على فهم المرأة كيف لا وهو المُلهم رضي الله عنه, والذي توقف مع شخصيته الشرق والغرب, وألف فيه العقاد كتابا باسم عبقرية عمر, لكنه أراد أن يعلمنا حسن الظن.
كذلك لم يتكبر ويقول أنا أمير المؤمنين وهزمت الفرس والروم… لكنه قال لمن كان يجلس معه: اقض أنت بينهما كما فهمت الشكوى. تجرد عجيب.
الجانب الثاني: الحَكمُ، وهو كعب بن سوار, وكيف قضى قضاءً في غاية العبقرية, فقال طالما أنه يحب التعبد , نفترض أن له أربع زوجات, فالقسمة تكون أن لها يوم وليلة يتفرغ فيهما تفرغا كاملا لزوجه حديثا وملاطفة وغيره، ويتعبد في ثلاثة أيام، وتدور العجلة على هذا النحو, و يا له من قضاء !
الثالث: الزوج الذي لم ينكر ولم يكابر وخضع فورا لطلب زوجته، وقضاء القاضي، ولم يكن لها أي ضغينة لأنها طلبت بحقها.
الجانب الرابع: بطلة هذه القصة, المرأة الذكية بل العبقرية, وظهر ذلك من خلال طريقة شكواها, كذلك فإنها عفيفة اللسان , حيث استخدمت المدح في الذم, والعبادة كناية عن الهجر وطول البعد,
كذلك فإنها قوية فلم يمنعها ذكاؤها ولا عفة لسانها من مطالبتها بحقها.
حقيقة كنت أود أن تعود هذه الأخلاق في الحب والبغض في الرضا والغضب وفي جميع شئون حياتنا، نحن نعشق الذوق، ونهفو إلى كرم الأخلاق، ونبل المواقف.