الأحد 6 ربيع الثاني 1447 | 28 - سبتمبر - 2025 - 12:31 م
الرئيسيةملفات و تحقيقاتالربابة: لحن البادية الخالد... قصة آلة من الصحراء إلى العالمية

الربابة: لحن البادية الخالد… قصة آلة من الصحراء إلى العالمية

كتبت: د.إيمان بشير ابوكبدة

في سهول شمال المملكة العربية السعودية، ما زال العزف الشجيّ لآلة الربابة يحمل أصداء الماضي، ليُروي قصصًا عن الأصالة والارتباط العميق بالأرض والتراث. هذه الآلة الوترية القديمة ليست مجرد أداة موسيقية؛ بل هي رفيقة البدو الدائمة، التي تُضفي على مجالس السمر دفئًا خاصًا وتُطرب السامع بعد عناء يوم طويل. الربابة هي أيقونة الهوية البدوية، التي صُنعت من مواد طبيعية بسيطة لتُلائم قسوة الصحراء، لكنها تحمل في أوتارها ألحانًا غنية ومتنوعة.

تاريخ متجذر وأسرار النشأة

تُعد الربابة من أقدم الآلات الموسيقية الوترية في العالم، وكما أشارت وكالة الأنباء السعودية (واس)، لم تكن الربابة مجرد آلة، بل كانت منبرًا للشعراء ليُطلقوا عليها قصائدهم الملحمية والوصفية والغزلية. ورغم انتشارها الواسع، لا تزال أصولها الدقيقة محل خلاف بين الباحثين، ما يزيد من غموضها وسحرها:

الجزيرة العربية: تشير بعض الروايات إلى أن منشأها الأصلي هو شبه الجزيرة العربية، حيث استخدمها البدو الرحل، ما يجعلها وليدة البيئة الصحراوية.

بلاد الرافدين: يربطها باحثون آخرون بـالعصر السومري، مستندين إلى رسومات قديمة، ويرون أنها تطورت لتصبح آلة “الجوزة” العراقية.

نظريات عالمية: هناك من يربطها بآلة “رافانا سترون” الهندية القديمة، بينما تؤكد نظريات انتقالها إلى أوروبا عبر الأندلس لتُسهم في تطور آلات وترية مثل الكمان.

على الرغم من تعدد النظريات، تبقى الربابة رمزًا ثقافيًا وبصمة واضحة في تاريخ الموسيقى التقليدية، كونها شاهدًا حيًا على الحضارة وذاكرة تنبض بأصالة التراث.

آلة متعددة الألحان والتأثير

تنوعت طرق العزف على الربابة بتنوع المناطق، لتشمل أنماطًا فنية مثل الهجيني، والمسحوب، والهلالي، والسامري، ما يعكس ثراء الفن البدوي. لم يقتصر تأثيرها على محيطها العربي؛ بل رافقت العرب في رحلاتهم وفتوحاتهم، لتصل إلى الأندلس ومنها إلى أوروبا، مؤكدةً دورها في تشكيل مسار تطور العديد من الآلات الموسيقية العالمية.

الربابة في الحاضر: شغف يواجه الاندثار

اليوم، تظل الربابة حية بفضل شغف وحرص أبنائها، مثل العازف عايد بن عبدالكريم القازح من منطقة الجوف، الذي يروي قصة تعلقه بها وإتقانه لجميع طرق العزف عليها. يُوضح ابن قازح أن الربابة تُصنع من مواد بسيطة هي انعكاس لبساطة الحياة البدوية: الخشب، وجلد الأغنام أو الأبقار، ووترها من شعر ذيل الخيل.

على الرغم من طغيان التطور التكنولوجي، تظل أنغام الربابة تتردد بقوة في المخيمات والرحلات البرية ومجالس السمر. هذا الاستمرار يؤكد أن هذا الفن الأصيل لن يندثر، وسيبقى رمزًا خالدًا للتراث البدوي في شمال المملكة العربية السعودية.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا