كتب: أحمد رشدي
لم يعد الذكاء الاصطناعي خيالًا علميًا يحلق في فضاء المستقبل، بل أصبح واقعًا يلامس تفاصيل حياتنا اليومية من هواتفنا التي تفهم صوتنا، إلى السيارات التي تسير دون سائق، والمستشفيات التي تشخّص الأمراض قبل أن يشعر بها الإنسان. لقد تحول الذكاء الاصطناعي من فكرة في المختبرات إلى قوة تكنولوجية تقود عصرًا جديدًا من التحوّل الشامل في كل مجالات الحياة.
يقول البروفيسور جيفري هينتون، أحد رواد علم الشبكات العصبية، إن «الذكاء الاصطناعي لم يعد أداة مساعدة للبشر، بل أصبح شريكًا في اتخاذ القرار»، وهو تصريح يعكس مدى التطور الهائل الذي بلغه هذا المجال. ومع هذا التقدّم المذهل، تبرز أسئلة كبرى عن مستقبل الإنسان نفسه: هل سيبقى هو المتحكم، أم سيصبح مفعولًا به في عالم تقوده الخوارزميات؟
تؤكد تقارير معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أن الذكاء الاصطناعي يسهم في رفع كفاءة الإنتاج بنسبة تتجاوز ثلاثين بالمئة في بعض الصناعات، وأنه قادر على توفير حلول مبتكرة في مجالات الطب والطاقة والتعليم. ولكن التقرير ذاته يحذّر من فقدان ملايين الوظائف التقليدية خلال العقدين القادمين، مما يفرض على المجتمعات إعادة تعريف مفهوم العمل ذاته.
أما الخبير العربي الدكتور محمد العوضي المتخصص في أخلاقيات التقنية، فيرى أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الآلة ذاتها، بل في غياب الضوابط الأخلاقية التي تحكم استخدامها، مؤكدًا أن «التكنولوجيا بلا قيم تتحول إلى سلاح يمكن أن يدمّر صاحبه قبل أن يخدمه».
وفي الجانب العلمي، يوضح الباحث إيلون ماسك في تصريحات لمنتدى الذكاء الاصطناعي العالمي أن «الذكاء الاصطناعي قد يصبح يومًا أذكى من البشر، ولذلك يجب أن نضمن أن يظل في خدمة الإنسانية لا فوقها»، مشددًا على ضرورة وضع تشريعات دولية تُقيّد استخداماته العسكرية والتجسسية.
إن الذكاء الاصطناعي، رغم ما يحمله من وعود عظيمة، يثير تساؤلات أخلاقية ودينية عميقة، تتعلق بحدود تدخل الإنسان في خلق ما يشبه العقل، وبمسؤوليته عن نتائج هذا التدخل. وهنا تتجلّى حكمة الإسلام التي حثّت على طلب العلم، ولكن في إطار من التقوى والضوابط التي تصون الكرامة الإنسانية. قال الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]،
وهي دعوة ربانية للعلم المقترن بالنية الصالحة، لا بالغرور ولا بالهيمنة.
إن واجبنا اليوم أن نكون على وعي بأن الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا، بل أمانة تحتاج إلى فقهٍ في استخدامها. فكما أن السكين يمكن أن تطهو بها طعامًا أو تؤذي بها إنسانًا، كذلك الذكاء الاصطناعي أداة، والنية هي ما يحدد إن كانت بركة أو نقمة.
في النهاية، يمكن القول إن مستقبل البشرية مع الذكاء الاصطناعي سيتحدد بقدر ما نحمله من وعي، لا بقدر ما نمتلكه من تقنية. فالتكنولوجيا بلا أخلاق سفينة بلا بوصلة، والعقل بلا ضمير طريق بلا نور.
