د.نادي شلقامي
في خطوة جبارة تَعِد بإعادة كتابة قواعد الحوسبة، تمكن علماء من جامعة ماساتشوستس أمهرست (UMass Amherst) من اختراق الحاجز الفاصل بين البيولوجيا والإلكترونيات! لقد أزاح هذا الفريق الستار عن خلية عصبية اصطناعية ليست مجرد محاكاة عادية، بل هي ابتكار مذهل يتقن لغة الدماغ الأسرع والأكثر كفاءة، ويعمل بجهد شديد الانخفاض يكاد يضاهي نظيره الحي.
المفتاح: أسلاك بكتيرية ثورية
ما يضاعف الإثارة هو الأساس غير التقليدي لهذه القفزة النوعية: الأسلاك النانوية البروتينية المستخلصة من كائن مجهري غير متوقع؛ بكتيريا Geobacter sulfurreducens المُنتِجة للكهرباء. هذا الإنجاز، الذي نُشر في مجلة Nature Communications، يفتح آفاقاً غير مسبوقة لتصاميم كمبيوترات تعتمد على مبدأ “20 واط أمام ميغاواط”، ليرسم مستقبلاً تتفاعل فيه الأجهزة الإلكترونية مع أجسامنا وعقولنا بسلاسة وكفاءة مذهلة.
ويوضح شواي فو، المؤلف الرئيسي للدراسة، أن الدماغ البشري يعالج كميات هائلة من البيانات لكنه لا يستهلك سوى حوالي 20 واط من الطاقة لأداء مهام معقدة مثل كتابة قصة. في المقابل، تستهلك نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة، مثل ChatGPT، طاقة قد تصل إلى ميغاواط (أكثر بـ 1000 مرة) لإنجاز النشاط ذاته!
هذا الفارق الهائل في الكفاءة كان التحدي الأكبر أمام هندسة الخلايا العصبية الاصطناعية. يقول جون ياو، الأستاذ المشارك والمؤلف الرئيسي للدراسة: «استخدمت الإصدارات السابقة من الخلايا العصبية الاصطناعية جهداً كهربائياً أكبر بعشرة أضعاف، وطاقة أكبر بمائة ضعف، من تلك التي ابتكرناها».
السر يكمن في الجهد المنخفض، حيث إن الدماغ البشري يعمل بـ 0.1 فولت فقط. الخلايا العصبية الاصطناعية السابقة لم تتمكن من مطابقة هذا الجهد، مما منعها من الاتصال المباشر والآمن مع الخلايا العصبية الحية.
الأسلاك البروتينية
المفتاح لتحقيق هذا الجهد المنخفض جداً يكمن في استخدام الأسلاك البروتينية النانوية التي تُنتجها بكتيريا Geobacter sulfurreducens. هذه الأسلاك، المعروفة بإنتاجها الفائق للكهرباء، سمحت للعلماء بتصميم خلية عصبية اصطناعية تعمل بنفس جهد الدماغ، مما يحل المشكلة الرئيسية لكفاءة الطاقة.
آفاق هذا الابتكار واسعة جداً، وتشمل إعادة تصميم أجهزة الكمبيوتر وفقاً لمبادئ مستوحاة من البيولوجيا، لتقليل استهلاكها للطاقة بشكل هائل. مع أجهزة استشعار بيولوجية يمكنها التحدث إلى أجسادنا بشكل مباشر. على سبيل المثال، يمكن لأجهزة الاستشعار المبنية على هذه الخلايا العصبية قراءة الإشارات الكهربائية للجسم دون الحاجة إلى التضخيم الكهربائي الوسيط المُستهلك للطاقة، والذي كان يزيد من تعقيد الدائرة.
هذا الإنجاز يؤكد أن المستقبل قد لا يكون في بناء الآلات الأضخم والأقوى، بل في تقليد بساطة وكفاءة الأنظمة البيولوجية الأقدم والأكثر تطوراً. وبفضل بكتيريا بسيطة، يقترب العلماء خطوة نحو بناء أجهزة إلكترونية تندمج بسلاسة مع الحياة نفسها.
“الخلايا العصبية الاصطناعية” تُسقط عرش Chat GPT وتُعيد تعريف الذكاء
2.4K
المقالة السابقة
