نجده محمد رضا
في زمنٍ لم يعد فيه الهاتف وسيلة، بل أصبح حياةً كاملة، صار الإنسان هو الطرف الأضعف في علاقةٍ كان يفترض أن يكون فيها السيد.
الهاتف الذكي اليوم لا يُستخدم فقط، بل يَستخدم صاحبه يتحكم في وقته، انتباهه، وحتى مشاعره دون أن يدري.
الهاتف من أداة تواصل إلى أداة سيطرة
قبل عقدين فقط، كان الهاتف وسيلة بسيطة للاتصال. أما اليوم، فهو نافذة على العالم، لكنه أيضًا باب خلفي إلى حياةٍ مُسَيَّرة.
فكل إشعارٍ يُرسل إشعارًا داخليًا في العقل افتح الهاتف الآن حتى دون سببٍ حقيقي.
تطبيقات التواصل الاجتماعي صُمّمت بعناية لتخطف انتباهك، وكل ضغطة، وكل تمريرة، تحسبها الخوارزميات لتُبقيك أطول وقت ممكن أمام الشاشة.
أوقاتنا تُسرق ونحن نبتسم
تشير دراسات حديثة إلى أن الإنسان العادي يقضي أكثر من 5 إلى 7 ساعات يوميًا على هاتفه، أي ما يعادل أكثر من 100 يوم سنويًا من عمره في عالمٍ رقمي لا ينتهي.
تلك الدقائق الصغيرة التي “نراجع فيها الهاتف” قبل النوم أو أثناء الأكل، تتحول إلى ساعات تتبخر دون وعي.
ومع الوقت، يصبح الهاتف هو من يحدد متى نرتاح، ومتى نستيقظ، ومتى نضحك، ومتى نحزن التحكم الخفي من الشاشة إلى الدماغ
علماء النفس يؤكدون أن الاعتماد الزائد على الهاتف لا يختلف كثيرًا عن الإدمان.
فكل إشعار أو إعجاب يُحفّز إفراز “الدوبامين” هرمون السعادة في الدماغ، مما يجعلنا نعود إليه مرارًا، كما يعود المدمن إلى مصدر راحته المؤقتة.
إنها دائرة مغلقة فراغ هاتف سعادة لحظية فراغ أكبر.
جيل يعيش على ضوء الشاشة
الأطفال والمراهقون هم الضحايا الأبرز.
فهم يكبرون في عالمٍ تحكمه خوارزميات تزرع فيهم قيم السرعة، المقارنة، والتشتت. أصبح التواصل الواقعي عبئًا، والهدوء نوعًا من “الملل” الذي يجب الهروب منه إلى الشاشة.
هل يمكن كسر الحلقة؟
الحل لا يكمن في “ترك الهاتف”، بل في استعادته.
أن نُعيد ضبط علاقتنا به.
أن نستخدمه دون أن يُستخدمنا. أن نُطفئ الإشعارات، نُخصص وقتًا محددًا للتصفح، ونستعيد لحظات الصمت التي تُنعش الفكر.
لم يخترع الإنسان الهاتف ليَسجنه، بل ليحرّره.
لكن يبدو أن السجن أصبح أنيقًا بما يكفي لنرضى به.
