الكاتبة سعاد الورفلي
بعض الناس غلب عليها طبع الانتقاد؛ هذا الطبع ترسخ بسبب الانشغال بالآخرين ونسيان الانشغال أو الاشتغال على الذات، هناك فرق جلي بين النقد والانتقاد… البحث عن مساوئ الآخرين يعد مثلبة، أي منْقصة في الشخصية والشخص نفسه، وما نراه اليوم في الواقع الاجتماعي من كثرة الاغتياب وتدمير الشخصية المقابلة هو بفعل الفراغ النفسي والفكري والمحتوى الثقافي الذي نشأ عليه الفرد.
إن لغة علم الاجتماع تختلف كثيرا عن الواقع الاجتماعي المعاش، فالواقع الاجتماعي عجلة تضخ ملايين العبارات التي تنم عن الاشمئزاز بسبب وبغير سبب، ووصل الحد بالمنتقد أنه لا يرى شيئا جميلا، فكل الأشياء أمامه مستوية بحكم ذوقه وما يعانيه من عدم الإحساس بالاطمئنان والاستقرار، فعدم الاطمئنان يتسبب في كثير من الأمور التي تجعل الشخصية المنتقدة شخصية رافضة مترددة، غير مقتنعة وغير مقنعة، نشأت بعض الخلفيات لهذه الشخصية في المجتمعات التي تندهش من كل شيء وارد، أو غير مألوف.. وهذا الطبع ترسخ بحكم الاكتساب المجتمعي والنظرة الشمولية الواحدة والتفكير الجمعي الذي يجب أن يكون موحدا على كل الصُّعد.
أما الشخصية التي لا تحب الانتقاد، وتميل لتغيير الشيء غير الطبيعي بطريقة علمية ومتزنة، هي الأخرى عرضة للشخصيات التي تفرغت لانتقاد كل شيء، بل وصل الحد بالمنتقدين أنهم لا يشعرون بالارتياح مع ذواتهم، ويشككون في أنفسهم حدا للوسوسة.
النقد الموضوعي هو أن تقول فكرتك بغرض التعديل وإظهار ملامح الجمال وبواطنه، وهو أداة لتغيير بعض الأشياء التي يمكن أن نعتبرها نتيجة موضوعية لحكم موضوعي مبني على ذوق فني يهدف لبث الخير وحب الآخر والسلام الروحي، وعدم التدخل في شؤون الآخرين.. فالألفاظ الشائنة هي طريق لتحطيم النفس الإنسانية مهما اكتسبت من قوة، وهي معول شيطاني يستخدم في الأوطان التي اعتادت أن تسفح ذوات آخرين باستغلال الفرص المتاحة لإظهار العيوب واستثناء المحاسن.
وما هذا إلا طريق مزين بأشواك ملونة تغرز في الروح، وتدميها دون أن يشعر من حولك ما أنت عليه من ألم داخلي عظيم، والأكثر من ذلك هو استشراء هذا التنمر النوعي من أجل تعميم الجوانب المظلمة وإطفاء النور الذي يتجمع في مساحة من النفس بعد انكماشها من الواقع المشين.
وهي أخلاق نفسية مصابة بلوثة النقص والذميمة التي كبرت في الشخصية منذ الصغر بسبب الأفكار الرديئة التي مارستها مجموعة من البشر الذين لا يحبون الخير إلا لأنفسهم . وقد يقضون عليه في لحظة غفلة منهم، فتتحول ذواتهم إلى أشباح طائرة تنشر العتمة في النفوس، وتجلب سوء الحظ أينما حلت.
