نجده محمد رضا
في عمق صحراء محافظة المهرة شرق اليمن، تقع واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية غموضًا وإثارة في العالم العربي بئر برهوت، الذي يعرف شعبيًا باسم قعر جهنم.
هذه الفوهة الهائلة التي تمتد عشرات الأمتار في باطن الأرض، ظلت لعقود طويلة مصدرًا للأساطير والرعب، قبل أن تبدأ فرق علمية في كشف أسرارها شيئًا فشيئًا.
حفرة لا يُرى قاعها
يبدو بئر برهوت من الأعلى كفمٍ أسود مفتوح في قلب الصحراء، يبتلع الضوء والنظر معًا قطرها يقارب 30 مترًا
بينما يصل عمقها إلى أكثر من 200 متر، وفق تقديرات حديثة. الهواء عند حافتها ثقيل ومائل للرطوبة، وتتصاعد منه روائح كبريتية غريبة، ما زاد من رهبة المكان في نفوس السكان.
أساطير لا تموت
منذ قرون، تداول اليمنيون قصصًا مرعبة حول البئر يقال
إنها مسكن للجنّ
أو سجن لأرواح العصاة
أو حتى باب إلى جهنم نفسها البعض يزعم أن أصواتًا غريبة تُسمع ليلًا قادمة من أعماقها، وأن كل من حاول الاقتراب منها كثيرًا يُصاب بسوء الحظ أو يختفي للأبد
ورغم أن هذه الروايات تفتقر للدليل، فإنها أصبحت جزءًا أصيلًا من التراث الشعبي اليمني.
حين تحدّى العلم الأسطورة
في عام 2021، قام فريق من المستكشفين العُمانيين واليمنيين بأول عملية نزول حقيقية إلى داخل البئر، مستخدمين معدات تسلق حديثة وكاميرات احترافية ما وجدوه هناك لم يكن بوابة جهنم بل تكوينات صخرية مدهشة، وشلالات صغيرة من المياه العذبة، وكائنات حية بسيطة تعيش في الظلام، بالإضافة إلى ثعابين وبعض الحيوانات النافقة التي سقطت داخل الحفرة.
الاكتشاف أثبت أن بئر برهوت ظاهرة جيولوجية طبيعية ناتجة عن انهيار أرضي قديم في الصخور الجيرية، مع وجود ينابيع جوفية في قاعها.
ومع ذلك، بقيت رهبة المكان تفرض سحرها حتى على العلماء أنفسهم.
من الأسطورة إلى السياحة
اليوم تحاول السلطات المحلية في محافظة المهرة استثمار شهرة البئر بطريقة آمنة لتحويلها إلى مزار سياحي وجيولوجي فريد من نوعه في اليمن.
غير أن الوصول إليها ما يزال صعبًا بسبب طبيعة المنطقة الوعرة، والحاجة إلى تنظيم زيارات علمية وسياحية تحافظ على البيئة والمكان.
بئر برهوت ليس مجرد حفرة في أرض اليمن بل مرآة تعكس علاقة الإنسان بالخوف والخيال والطبيعة ما بين الأسطورة والعلم، تظل هذه البئر رمزًا للغموض الذي يأبى أن يُكشف بالكامل، وشاهدًا على أرضٍ ما زالت تخبئ في أعماقها أسرارًا لا تنتهي.
