دارين محمود
تستعد مصر لدخول مرحلة غير مسبوقة في مسيرة قطاعها السياحي، بعدما تجاوزت سنوات التعافي إلى عهد جديد من النمو القياسي المدعوم برؤية حكومية طموحة ومشروعات قومية كبرى تعيد رسم خريطة المقاصد العالمية.
فالأرقام تتحدث: بعد أن حقق القطاع أداءً استثنائيًا خلال عام 2024، تبدو مؤشرات 2025 أكثر تفاؤلًا، لتؤكد أن مصر على أعتاب طفرة حقيقية تُعيدها إلى صدارة الوجهات السياحية في العالم.
أداء استثنائي وثقة عالمية متجددة
نجحت مصر خلال عام 2024 في تسجيل أعلى عدد من الزوار في تاريخها الحديث باستقبال أكثر من 15.7 مليون سائح، وهو إنجاز يعكس استعادة الثقة العالمية في المقصد المصري.
ومع مطلع عام 2025، واصلت البلاد هذا الزخم محققة نموًا يقترب من 25% في أعداد الوافدين خلال الربع الأول، رغم التحديات الجيوسياسية في المنطقة، لتؤكد أن السياحة المصرية باتت أكثر صلابة وقدرة على التكيّف.
وبحسب تقديرات المؤسسات الدولية، فإن أعداد السياح بنهاية العام مرشحة لتتراوح بين 16 و18 مليون زائر، بينما قد تتجاوز الإيرادات السياحية 15 مليار دولار — وهي قفزة مدفوعة بسياسات ذكية تستهدف زيادة متوسط إنفاق السائح ومدة إقامته.
المتحف المصري الكبير.. بوابة جديدة إلى الحضارة
في قلب هذه الطفرة المنتظرة يقف المتحف المصري الكبير (GEM) كأيقونة ثقافية عالمية تستعد لفتح أبوابها أمام الزوار.
فالمتحف لا يُعد مجرد صرح أثري ضخم، بل مشروع وطني سيعيد تعريف تجربة السياحة الثقافية في مصر.
ويتوقع الخبراء أن يكون المتحف نقطة تحول استراتيجية من خلال:
إطالة مدة الإقامة للسائحين الراغبين في استكشاف الكنوز الأثرية والتاريخية.
رفع متوسط الإنفاق، إذ أن الزائر الثقافي عادةً أكثر اهتمامًا بالتجربة وأعلى في القدرة الشرائية.
إعادة التوازن بين السياحة الشاطئية والثقافية، لترسيخ صورة مصر كوجهة متكاملة تجمع بين سحر البحر وعبق التاريخ.
وبكلمات بسيطة، فإن المتحف المصري الكبير ليس مجرد حدث، بل انطلاقة جديدة لهوية مصر السياحية عالميًا.
ركائز التحول نحو “رؤية 2030”
من أجل الوصول إلى الهدف الطموح باستقبال 30 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2030، تعتمد مصر على استراتيجية شاملة تستند إلى أربع ركائز رئيسية:
البنية التحتية المتطورة:
توسع في الطاقة الفندقية بإضافة آلاف الغرف سنويًا، وتحديث المطارات والطرق لتواكب الزيادة المتوقعة في حركة السفر.
تنويع المنتج السياحي:
تطوير أنماط جديدة تشمل السياحة البيئية، العلاجية، وسياحة المغامرات والمؤتمرات، لتقديم تجربة متنوعة ومستدامة.
فتح أسواق جديدة:
التوجه نحو آسيا – ولا سيما الصين وجنوب شرق آسيا – مع الحفاظ على قوة الحضور في الأسواق الأوروبية التقليدية مثل ألمانيا، بريطانيا، وروسيا.
رفع جودة الخدمات:
عبر برامج تدريبية مكثفة للكوادر، ومعايير خدمة تستجيب لتوقعات الزائر الدولي الباحث عن تجربة مميزة تضاهي المقاصد العالمية.
المستقبل يبدأ من هنا
كل المؤشرات تؤكد أن مصر تسير بخطى واثقة نحو أن تصبح أحد أكبر المقاصد السياحية في العالم خلال السنوات المقبلة.
فما يجمع بين كنوز الحضارة القديمة وحيوية التنمية الحديثة هو مزيج فريد يصعب أن يتكرر في أي مكان آخر.
الرهان اليوم ليس فقط على أرقام السياح، بل على تحويل السياحة إلى قوة اقتصادية محركة للنمو وفرص العمل والاستثمار.
وبين الحاضر والمستقبل، تبقى مصر — بتاريخها، وثقافتها، وإنجازاتها الحديثة — وجهة لا تُقاوَم، وقصة نجاح تُروى للعالم.
