دارين محمود
تُمثّل دار الأوبرا المصرية صرحًا ثقافيًا شامخًا، لا يقتصر دوره على تقديم العروض الأوبرالية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليُصبح مركزًا إشعاعيًا للفنون الراقية في مصر والشرق الأوسط بأكمله. يعكس تاريخ الأوبرا في مصر علاقة فريدة بين الحضارة المصرية العريقة والفنون الغربية، مُضيفةً إليها بصمة شرقية مميزة.
1. الأوبرا الخديوية: البداية الفخمة (1869-1971)
بدأت قصة الأوبرا في مصر مع عصر الازدهار الذي شهده الخديوي إسماعيل. فاحتفالًا بافتتاح قناة السويس عام 1869، أمر الخديوي بإنشاء دار الأوبرا الخديوية في منطقة الأزبكية بقلب القاهرة.
* الافتتاح التاريخي: افتتحت الدار في الأول من نوفمبر عام 1869 بعرض أوبرا “ريجوليتو” للموسيقار الإيطالي فيردي.
* أوبرا عايدة: كانت رغبة الخديوي أن يفتتح الدار بأوبرا “عايدة”، التي استلهمت قصتها من التاريخ المصري القديم وكتبها فيردي خصيصًا لهذه المناسبة، لكن الظروف حالت دون إتمامها في موعد الافتتاح، وعُرضت لاحقًا لتصبح واحدة من أشهر الأوبرات العالمية.
* نهاية مأساوية: بعد أكثر من قرن من الإشعاع الفني، التهم حريق هائل المبنى الخشبي لدار الأوبرا الخديوية بالكامل في 28 أكتوبر عام 1971، لتفقد مصر أقدم دار أوبرا في أفريقيا.
2. المركز الثقافي القومي: الأوبرا الجديدة (1988)
ظلّت القاهرة بدون دار أوبرا لمدة سبعة عشر عامًا، حتى جاءت المنحة اليابانية لتعيد إحياء الحلم الثقافي.
* المنشأة الحديثة: في عام 1988، افتتحت دار الأوبرا المصرية الجديدة، المعروفة رسميًا باسم الهيئة العامة للمركز الثقافي القومي، في أرض الجزيرة بالزمالك. بُنيت الدار على الطراز الإسلامي وتُعتبر تحفة معمارية حديثة.
* مركز متكامل: لم تقتصر الدار الجديدة على المسرح الرئيسي (المسرح الكبير الذي يتسع لـ 1200 مقعد) بل ضمت عدة مسارح أخرى (المسرح الصغير، والمسرح المكشوف) وقاعات للمعارض الفنية (قصر الفنون)، ومكتبة موسيقية، لتصبح بذلك مجمعًا ثقافيًا وفنيًا متكاملًا.
3. الدور الثقافي والريادي
تلعب دار الأوبرا المصرية دورًا حيويًا في المشهد الثقافي المصري والعربي:
* نشر الفنون الراقية: تستضيف الأوبرا عروضًا متنوعة، تشمل الأوبرا العالمية والمحلية، عروض الباليه ، والحفلات الموسيقية للأوركسترا السيمفونية والفرق العربية، بالإضافة إلى عروض الرقص المسرحي الحديث.
* تبادل ثقافي: تُعد الأوبرا منبرًا للتبادل الثقافي، حيث تستضيف فرقًا عالمية من مختلف القارات، مما يتيح للجمهور المصري الاحتكاك المباشر بأرقى الفنون العالمية.
* تنمية المواهب: يتبع الأوبرا مركز تنمية المواهب، الذي يقوم بدور تعليمي مهم في صقل مهارات النشء في مجالات الموسيقى والباليه والغناء، مُساهمًا في تخريج أجيال جديدة من الفنانين المصريين.
* الامتداد الإقليمي: توسع النشاط ليشمل فروعًا إقليمية مثل أوبرا الإسكندرية (مسرح سيد درويش) وأوبرا دمنهور، لتوصيل الفن الرفيع إلى محافظات الجمهورية.
في الختام، تبقى دار الأوبرا المصرية رمزًا لالتزام مصر بالفنون والثقافة، وحلقة وصل بين الماضي العريق والمستقبل الطموح، حيث تستمر في تقديم الفن الذي يُغذي الروح ويُثري الوجدان.
