نجده محمد رضا
في عالم الطبيعة المليء بالأسرار والعجائب، يطلّ علينا كائن فطري يثير الدهشة والخوف في آنٍ واحد، يُعرف علميًّا باسم Clathrus archeri، ويُطلق عليه العامة فطر أصابع الشيطان أو الأخطبوط ذو القرن المنتن.
يُعدّ هذا الفطر من أغرب أنواع الفطريات المنتشرة عالميًّا، نظرًا لشكله الغريب الذي يبدو وكأنه مخلوق خرج من الأساطير.
ينمو فطر أصابع الشيطان في بدايته داخل بيضةٍ جلدية الشكل مدفونة جزئيًّا في التربة، وما إن تنضج حتى تنفجر البيضة لتخرج منها أذرعٌ حمراء رفيعة تشبه الأصابع أو مجسّات الأخطبوط، يتراوح عددها بين أربع إلى سبع أذرع، وتُغطى بمادة لزجة داكنة اللون تُعرف باسم الغليبا.
ورغم مظهره المخيف، فإن هذا الفطر لا يشكّل خطرًا مباشرًا على الإنسان، إلا أنّ رائحته النفّاذة تُثير الاشمئزاز، إذ تشبه رائحة اللحم المتعفّن، وهي ليست عبثًا، بل وسيلة طبيعية لجذب الذباب والحشرات التي تنقل جراثيمه وتساعده على التكاثر وانتشار أبواغه في البيئة المحيطة.
ينمو هذا الفطر عادة في الغابات الرطبة وعلى بقايا النباتات والأخشاب المتحللة، وقد تمّ اكتشافه أول مرة في نيوزيلندا وتسمانيا، ثم انتقل لاحقًا إلى أوروبا وأمريكا الجنوبية مع حركة النباتات والبذور خلال الحرب العالمية الأولى واليوم، يمكن العثور عليه في بعض مناطق إفريقيا وآسيا، مما يؤكد قدرته المذهلة على التكيّف مع البيئات المختلفة.
يقول علماء الفطريات إنّ أصابع الشيطان مثالٌ مدهش على قدرة الطبيعة على الدمج بين الجمال والرعب في كائنٍ واحد، فهو وإن بدا مرعبًا، إلا أنه يلعب دورًا بيئيًّا مهمًّا في تحلّل المواد العضوية وتنقية التربة من البقايا المتحللة.
هكذا يبقى هذا الفطر الغامض شاهدًا على أن الطبيعة لا تكفّ عن إبهارنا، تُخيفنا حينًا، وتُعلّمنا حينًا آخر أن لكل مخلوقٍ فيها غاية ووظيفة، مهما بدا غريبًا أو مُريبًا.
