بقلم د. نادي شلقامي
يُطلق مصطلح المورو (Moro) تاريخياً على المجموعات العرقية المسلمة التي تعيش في جنوب الفلبين، وتحديداً في مينداناو وأرخبيل سولو والمناطق المجاورة. وقد أطلق الإسبان عليهم هذا الاسم نسبة إلى “الموروس” (Moors) أي “المغاربة” في إسبانيا، بسبب ديانتهم الإسلامية والمقاومة الشرسة التي أبدوها ضد الاستعمار. يُشكل المورو أكبر مجموعة غير مسيحية في الفلبين، ويمثلون جزءاً مهماً من النسيج التاريخي والثقافي للبلاد.
من هم قبائل المورو؟
قبائل المورو هي مجموعة من المجموعات العرقية الإسلامية التي لم تخضع بالكامل للاستعمار الإسباني أو الأمريكي، وتمتلك تاريخاً عريقاً من الممالك والسلطنات الإسلامية.
أولا…المجموعات الرئيسية:
تتألف هوية المورو من حوالي 13 مجموعة عرقية رئيسية، أبرزها:
1- التاوسوغ (Tausūg): وهم المجموعة المهيمنة تاريخياً في أرخبيل سولو، وتشتهر بثقافة السلطنة القوية.
2- الماراناو (Maranao): يعيشون حول بحيرة لاناو في مينداناو، ويشتهرون بفنونهم ومعمارهم المتقن (كالمسجد العائم).
3- الماغوينداناو (Maguindanao): يقطنون السهول حول نهري مينداناو وبالامبانجان، وتُعد لغتهم هي السائدة في المنطقة الغربية.
4- الساما-باجاو (Sama-Bajau): يُعرفون أيضاً بـ “بدو البحر”، ويعيشون على طول السواحل والجزر.
ثانيا….دياناتهم
1– الإسلام: الغالبية العظمى من شعب المورو تدين بالإسلام، ويتبعون المذهب الشافعي في الفقه السني. كان الإسلام قد وصل إلى جنوب الفلبين في القرن الرابع عشر الميلادي، قبل وصول الاستعمار الأوروبي.
2- الثقافة والدين: يرتكز نمط حياتهم على مزيج من التعاليم الإسلامية (القرآن والحديث) و**”أدات”** (Adat)، وهي مجموعة من القوانين والتقاليد العرفية المحلية التي تُطبق في جوانب الحياة والزواج والميراث.
ثالثا….أعدادهم
1- النسبة والتوزيع: يقدر عدد شعب المورو بـ 5% إلى 10% من إجمالي سكان الفلبين، وهي نسبة تتراوح حالياً بين 5 إلى 10 ملايين نسمة تقريباً.
2- الموطن: يتركزون بشكل أساسي في منطقة بانجسامورو ذاتية الحكم في مينداناو المسلمة (BARMM)، والتي مُنحوا فيها حكماً ذاتياً موسعاً في يوليو 2018.
رابعا…..حياتهم (الاقتصاد والثقافة)
1- الاقتصاد: يعتمد المورو بشكل تقليدي على صيد الأسماك والزراعة (خاصة الأرز، والذرة، وجوز الهند) والتجارة البحرية. كما يُعرفون بمهاراتهم الحرفية العالية في صناعة الأسلحة البيضاء التقليدية، والمجوهرات، والمنسوجات.
2- الثقافة: تتميز ثقافتهم بالحيوية، ويشتهرون بـ موسيقى الكولينتانج (Kulintang) وهي آلات موسيقية نحاسية إيقاعية، والرقصات القبلية التقليدية، والأزياء الملونة المزخرفة.
رابعا…الأوضاع الاجتماعية والزواج
1- الزواج: يخضع الزواج في مجتمعات المورو للتعاليم الإسلامية والتقاليد العرفية (“أدات”).
— يُسمح بتعدد الزوجات (بحدود أربعة) وفقاً للشريعة الإسلامية.
— تُفضل الزيجات داخل المجموعة العرقية (الأندوجامي)، إلا أن التزاوج بين مختلف مجموعات المورو (كالماراناو والتاوسوغ) وارد ومقبول.
— تُقام مراسم الزواج عادة في بيئة احتفالية كبيرة، وتُدفع مهور للعروس.
خامسا…دور الفلبين مع شعب المورو
أولا…: على المستوى الحكومي (العلاقة الرسمية)
تميزت علاقة الحكومات الفلبينية المتعاقبة بالمورو بـ الصراع المسلح ثم التحول نحو عملية السلام والحكم الذاتي.
1- الصراع العسكري والتهميش التاريخي
1-1- نزاع تاريخي: منذ استقلال الفلبين عن الولايات المتحدة في عام 1946، استمرت الحكومة المركزية في مانيلا في النظر إلى منطقة مينداناو كجزء لا يتجزأ من الدولة، بينما كان المورو يطالبون بالاستقلال أو الحكم الذاتي الموسع، معتبرين المنطقة أرضهم التاريخية التي لم تخضع بالكامل للاستعمار.
1-2- التمرد المسلح: شهدت الفترة من 1969 حتى 2019 صراعاً مروعاً يُعرف بـ “صراع المورو”، بين القوات الحكومية والجماعات المتمردة الرئيسية مثل جبهة تحرير مورو الوطنية (MNLF) وجبهة تحرير مورو الإسلامية (MILF)، مما أسفر عن آلاف الضحايا ونزوح جماعي.
1-3- التهميش الاقتصادي والسياسي: كانت المنطقة تعاني من الإهمال الواضح في البنية التحتية والاستثمار الاقتصادي من الحكومة المركزية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر وتفاقم الشعور بالظلم والتمييز
2. التحول نحو السلام والحكم الذاتي
2-1- اتفاقيات السلام: سعت الحكومات الفلبينية إلى إنهاء النزاع من خلال المفاوضات.
2-2- اتفاق طرابلس (1976): مع جبهة تحرير مورو الوطنية (MNLF)، والذي أدى لاحقاً إلى إنشاء منطقة الحكم الذاتي لمسلمي مينداناو (ARMM) في عام 1990، والتي كانت ذات صلاحيات محدودة وغير فعالة.
2-3- الاتفاق الشامل بشأن بانجسامورو (CPA) (2014): هذا الاتفاق مع جبهة تحرير مورو الإسلامية (MILF) كان بمثابة خارطة طريق للسلام الدائم.
2-4- تأسيس بانجسامورو (BARMM): في عام 2018، صادق الرئيس الفلبيني على “قانون بانجسامورو الأساسي”، الذي توج سنوات من المفاوضات.
2-5- تم إنشاء منطقة بانجسامورو المتمتعة بالحكم الذاتي في مينداناو المسلمة (BARMM) بعد استفتاء شعبي في عام 2019، مانحاً المورو حكماً ذاتياً موسعاً وصلاحيات واسعة في مجالات الإدارة، والتعليم، والصحة، وإدارة الموارد الطبيعية وتقاسم العائدات مع الحكومة الوطنية .
2-6- الهدف الحالي: يتمثل الدور الحكومي الآن في دعم الحكومة الانتقالية في بانجسامورو (BTA) لضمان نزع السلاح التدريجي للمقاتلين، والاندماج الاقتصادي، وتطبيق الأحكام الشرعية في المحاكم الخاصة بالمنطقة بشكل مستقل، بما يضمن استقرار المنطقة تحت السيادة الفلبينية.
ثانياً: على المستوى الشعبي (العلاقة الاجتماعية)
العلاقة بين شعب المورو وبقية الشعب الفلبيني (الأغلبية الكاثوليكية) هي علاقة معقدة تتسم بوجود تعايش ثقافي وتاريخ من التمييز الاجتماعي.
1- التعايش الثقافي والتجارة
1-1- التفاعل اليومي: في العديد من المناطق، وخاصة في المدن المختلطة، يتعايش الفلبينيون من مختلف الأديان مع المورو، وتوجد علاقات تجارية واجتماعية عادية.
1-2- احترام التنوع: يقر جزء كبير من المجتمع الفلبيني بالتنوع الثقافي والتاريخي للبلاد، وأن المورو هم جزء أصيل من النسيج الفلبيني.
2- الإهمال والأحكام المسبقة
2-1-التنميط والتمييز: عانى شعب المورو تاريخياً من الأحكام المسبقة والتنميط، حيث يُنظر إليهم أحياناً كـ “متمردين” أو “أقلية مختلفة” بشكل سلبي، خاصة بين المسيحيين في الشمال، ويرجع ذلك جزئياً إلى عقود من الصراع المسلح.
2-2- الاندماج والتحديات: يواجه المسلمون المورو الذين يعيشون خارج مينداناو، وخصوصاً في العاصمة مانيلا والمناطق الشمالية، تحديات في الاندماج، ويشعرون في بعض الأحيان بالتمييز الديني أو الاجتماعي، مما يحد من فرصهم السياسية والاجتماعية.
2-3- دور الإعلام: تلعب وسائل الإعلام دوراً في تشكيل الرأي العام، حيث يمكن أن يؤدي التركيز على حوادث العنف إلى تعميق الانقسام وسوء الفهم بين المجتمعات.
باختصار، انتقل الدور الحكومي الفلبيني من سياسات القوة العسكرية إلى الاعتراف السياسي من خلال تأسيس بانجسامورو، بينما لا يزال الدور الشعبي يتراوح بين التعايش ووجود تحديات اجتماعية تتطلب المزيد من الجسور الثقافية والاقتصادية.
وختاما….يمثل شعب المورو المسلم في الفلبين حالة فريدة من الصراع على الهوية والحكم الذاتي الذي امتد لقرون. لقد نجحوا في الحفاظ على عقيدتهم الإسلامية وثقافتهم الغنية في مواجهة التحديات الاستعمارية والمحلية، وحققوا مؤخراً تقدماً نحو الحكم الذاتي من خلال تأسيس منطقة بانجسامورو (BARMM). ويبقى مستقبلهم مرتبطاً بتحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي، في منطقة تتزايد فيها المصالح الجيوسياسية للقوى الكبرى كالصين.
