بقلم: بسمة خالد
أخصائي الصحة النفسية والإرشاد الأسري
ليس كل طلاق يُكتب في ورقة، فبعض العلاقات تنتهي بصمت، بينما يظل الزواج قائمًا أمام الناس. الطلاق النفسي هو ذلك الانفصال الخفي الذي يحدث عندما يتوقف القلب عن المشاركة، ويغيب الشعور، ويبقى الشكل فقط. قد ينام الزوجان في بيت واحد، ويتحدثان عن التفاصيل اليومية، وفي الحقيقة تفصل بينهما مسافة أبعد من أي انفصال رسمي.
يبدأ الطلاق النفسي غالبًا دون ضجيج. لا خلاف كبير، ولا صدمة واضحة، وإنما تراكم بطيء للتجاهل، وللخذلان الصغير الذي لم يُعتذر عنه، وللكلمات التي كان يجب أن تُقال ولم تُقل. مع الوقت، يتحول الحوار إلى واجب، والاهتمام إلى مجاملة، والحب إلى ذكرى بعيدة.
في الطلاق النفسي، لا يكره الطرفان بعضهما بالضرورة، غير أن كليهما يتوقف عن المحاولة. يصبح كل طرف منشغلًا بنفسه، بعالمه الخاص، بألمه الذي لم يعد يجد مساحة للبوح. هنا يشعر الإنسان أنه متزوج لكنه وحيد. يحتاج للدعم ولا يجده، يشتاق ولا يطلب، ويتألم دون أن يُرى.
أخطر ما في الطلاق النفسي أنه مرهق نفسيًا أكثر من الطلاق الرسمي، لأنك تعيش حالة فقد مستمرة دون اعتراف. لا يحق لك الحزن علنًا، ولا تملك قرار الرحيل، ولا تشعر بالأمان. تبقى معلّقًا بين “ما كان” و”ما يجب أن يكون”، وهذا التعليق يستهلك الروح ببطء.
كثيرون يظنون أن الطلاق النفسي سببه فتور المشاعر فقط، والحقيقة أن الأمر أعمق من ذلك. فهو نتيجة احتياجات لم تُلبَّ، وحدود لم تُحترم، وتواصل انكسر ثم لم يُصلح. حين لا يشعر الإنسان أنه مسموع أو مُقدَّر، يبدأ انسحابه الداخلي كوسيلة دفاع، لا كاختيار واعٍ.
لكن هل الطلاق النفسي نهاية حتمية؟ ليس دائمًا. في بعض الأحيان يكون إنذارًا متأخرًا، وفرصة أخيرة للفهم والمواجهة الصادقة. الاعتراف بالمشكلة، وفتح باب الحوار دون اتهام، واللجوء للدعم النفسي عند الحاجة، قد يعيد للعلاقة نبضها قبل أن تتحول إلى مجرد عقد بلا روح.
وفي حالات أخرى، يكون الطلاق النفسي علامة على أن الاستمرار أصبح أذى، وأن الشفاء قد يبدأ بالتحرر. فالصحة النفسية لا تقل أهمية عن الحفاظ على الشكل الاجتماعي، والإنسان لا خُلق ليعيش نصف حياة.
الطلاق النفسي يعلّمنا درسًا قاسيًا وصادقًا في الوقت نفسه: العلاقات لا تموت فجأة، لكنها تذبل حين نتوقف عن الشعور، وعن الإصغاء، وعن الاحتواء. والحب لا يختفي، لكنه يُهمَل حتى يرحل.
