د.نادي شلقامي
الرجولة في الإسلام ليست مجرد صفة جسدية بل هي منظومة متكاملة من الصفات الإيمانية، والأخلاقية، والسلوكية.
معنى الرجولة في القرآن والسنة
الرجولة في معناها القرآني والسّني لا تُقاس بالسن أو المظهر، بل بـ الجوهر والمضمون والثبات على الحق. تُستخدم كلمة “رجال” في القرآن للدلالة على الصفات العالية والهمم السامية، ومن أبرز معانيها:
1- الصدق والثبات على العهد:
قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب: 23). تشير الآية إلى الاستقامة على الإيمان، والوفاء بالعهد مع الله، والجهاد في سبيله.
2-عمارة بيوت الله والإقبال عليها:
قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ (النور: 36-37). الرجولة هنا مرتبطة بتقديم طاعة الله على كسب الدنيا.
3- القوامة والمسؤولية:
* قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: 34). القوامة هي تحمل المسؤولية والرعاية والحماية والإنفاق، وليست التسلط.
4-النخوة والشجاعة في الحق:
قصص القرآن تُظهر الرجولة في مواقف النصح وتحمل الأذى، مثل الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لنصح موسى عليه السلام، أو الرجل الذي نصح قومه في قصة أصحاب القرية.
أنواع الرجال وكيفية التعامل معهم
يمكن تصنيف أنواع الرجال من منظور الصفات والأخلاق التي وردت في النصوص الشرعية أو التي يكثر تداولها في التعاملات الإنسانية:
1. الرجل الصالح (الأفضل):
أ- صفاته: يجمع بين الإيمان القوي، وحُسن الخُلق، وتحمل المسؤولية (القوامة)، وصدق العهد، والورع، والرحمة، والعفة.
ب- كيفية التعامل معه: بالاحترام، والمودة، والمعاونة على الخير، وطاعته في المعروف، واتخاذه قدوة.
2. الرجل القوام المسؤول:
أ- صفاته: ملتزم بمسؤولياته تجاه أسرته ومجتمعه، يتسم بالحكمة والعدل في قراراته، ويبذل الجهد في الإنفاق والرعاية.
ب- كيفية التعامل معه: تقدير جهده، وتيسير قوامته، ومناصحته بلين ولطف عند الخطأ.
3. الرجل الضعيف/المتردد:
أ- صفاته: يفتقر إلى القوة في اتخاذ القرار، أو يتصف بالخوف المذموم، أو السلبية تجاه مصالحه ومسؤولياته.
ب- كيفية التعامل معه: التحفيز الإيجابي، وعدم توبيخه، ومساعدته على بناء الثقة بالنفس، وإشراكه في اتخاذ القرارات ليتعود على المسؤولية.
4. الرجل سيئ الخُلق (الظالم/العصبي/البخيل):
أ-صفاته: يتسم بصفات تتعارض مع الرجولة الحقيقية كالغضب المفرط، أو البخل، أو سوء العشرة، أو الظلم.
ب- كيفية التعامل معه:
1- بالصبر والمناصحة: محاولة إصلاحه بالتي هي أحسن مع تذكيره بحق الله وحق الآخرين.
2- وضع الحدود: عدم السماح بالظلم أو التجاوز، واللجوء إلى أهل الحكمة لفض النزاع أو الاستشارة إن لزم الأمر.
صفات الرجولة في الإسلام
وأمثلة من حياة الصحابة الكرام(رضي الله عنهم).
١. الصدق والثبات على العهد (الوفاء)
هذه الصفة هي أساس الرجولة الإيمانية، وتعني الوفاء بما عاهدت الله عليه من طاعة وجهاد، وعدم التبديل أو التراجع عند الشدائد. وهي أول صفة مدح الله بها الرجال في القرآن: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ (الأحزاب: 23).
أمثلة من الصحابة:
أ– أنس بن النضر رضي الله عنه: تخلف عن غزوة بدر، فعاهد الله أنه إن شهد قتالًا مع رسول الله ليُرينَّ الله ما يصنع. وفي غزوة أحد، قاتل بشجاعة فائقة حتى وُجد به بضع وثمانون جرحاً، وما عرفته أخته إلا ببنان يده. قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ”.
ب– سلمان الفارسي رضي الله عنه: ثباته على البحث عن الحق حتى وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتضحيته بوقته وماله وحريته في سبيل الإيمان، دليل على صدق عهده مع الله.
2- القوامة والمسؤولية (الحكمة والعدل)
القوامة ليست تسلطاً، بل هي تحمل أعباء الرعاية، والعدل، والإنفاق، والتربية في الأسرة والمجتمع. ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ…﴾ (النساء: 34).
أمثلة من الصحابة:
أ- أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أبرز مثال للقوامة على الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث اتخذ قرار حرب المرتدين وإنفاذ جيش أسامة، مُظهراً الحكمة والحزم في قيادة الدولة وتحمل مسؤولية الحفاظ على كيان الإسلام.
ب- عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان قواماً على الأمة يحمل الطعام للأرامل والأيتام ليلاً، ويراقب الأسواق بنفسه. قوامته كانت تعني المسؤولية المباشرة عن كل فرد في الرعية.
3- الشجاعة والنخوة في الحق (الجهاد بالكلمة والفعل)
هي الجرأة في قول الحق عند سلطان جائر، والثبات في مواجهة الفتن والأخطار، وعدم الخوف في الله لومة لائم.
أمثلة من الصحابة:
أ- حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه: شجاعته الجسدية الخارقة في المعارك، وشجاعته الأدبية في إعلان إسلامه، ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى لقّب “سيد الشهداء”.
ب- أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: شجاعته في إعلان كلمة التوحيد أمام الملأ في مكة في الأيام الأولى للدعوة، رغم علمه بما سيلاقيه من أذى.
4-الإقبال على الطاعة وتطهير النفس (العبودية)
الرجولة الحقيقية هي عدم الانشغال بالدنيا عن الآخرة، والمداومة على العبادات في أوقاتها، خاصة في بيوت الله: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (النور: 37).
أمثلة من الصحابة:
أ- عثمان بن عفان رضي الله عنه: كان شديد الحياء، ويُعرف بـ كثرة صلاته وقيامه،…ولقب بـ “ذي النورين” لإنه تزوج من إبنتي رسول الله.. إم كلثوم ورقية بعد وفاتها .
ب- أهل قباء (في المدينة): مدحهم الله بصفة الطهارة التي هي أساس الإقبال على العبادة، قال تعالى: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ (التوبة: 108).
5-حسن العشرة والرحمة (الأخلاق)
الرجولة تكتمل بحُسن الخُلق، وهي علامة خيرية الرجل لأهله، وهي جزء لا يتجزأ من الإيمان.
أمثلة من الصحابة:
أ-مصعب بن عمير رضي الله عنه: أول سفير في الإسلام، كان لطيف المعشر وجميل القول، استطاع أن يدخل قلوب أهل المدينة (الأنصار) ويهديهم للإسلام بأسلوبه الراقي قبل الهجرة.
ب- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: رغم ضآلة جسمه، كان أحسن الناس خلقاً، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم برقة قلبه وعمق إيمانه وعلمه، وهو خير مثال على أن الرجولة ليست بالبنيان بل بالقلب والعقل.
أفضل الرجال
بناءً على نصوص القرآن والسنة، فإن أفضل الرجال هم الذين اجتمعت فيه صفات الرجولة الكاملة، وأبرزها:
1- خيركم لأهله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي” (رواه الترمذي وابن ماجه). هذا يربط الخيرية بالمعاشرة الحسنة والرحمة داخل الأسرة.
2- أتقاهم لله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ” (متفق عليه). التقوى هي المعيار الأوحد للتفاضل عند الله، وهي تجمع كل الصفات الفاضلة.
3-أكثرهم ذكراً لله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُ الْعَمَلِ أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ”.
أفضل الرجال في الإسلام
على الإطلاق بعد الأنبياء هم الذين جمعوا هذه الصفات، وعلى رأسهم:
1- أبو بكر الصديق: جمع بين الصدق المطلق، والقيادة الحكيمة، والإنفاق بسخاء، والزهد.
2- عمر بن الخطاب: جمع بين العدل الذي لا يُضاهى، والشدة في الحق، والرحمة بالفقراء، والتفاني في خدمة الأمة.
3- عثمان بن عفان: جمع بين الكرم، والحياء الشديد، والعبادة، والصبر على البلاء.
4-علي بن أبي طالب: جمع بين الشجاعة المطلقة في المعارك، والعلم الغزير، والزهد في الدنيا.
أفضل الرجال هو التقي، القوام، الذي يصدق عهده مع ربه ومع الناس، ويحسن إلى أهله، ويتحلى بالصدق والشجاعة والحكمة.