دارين محمود
في عام 1879، لم يكن العالم ينتظر مجرد اختراع جديد، بل كان ينتظر تحولاً جذرياً في طريقة إضاءة حياته. هذا التحول جاء على يد المخترع الأمريكي العبقري توماس ألفا إديسون وفريقه، عندما عرضوا المصباح الكهربائي المتوهج العملي للمرة الأولى في عرض خاص، ليمثل نقطة انطلاق لعصر الكهرباء الحديث.
لم يكن إديسون هو أول من فكّر في الإضاءة الكهربائية، حيث سبقه العديد من المخترعين الذين صنعوا مصابيح متوهجة غير عملية تجارياً. لكن ما يميز إديسون كان تركيزه على تطوير مصباح يتمتع بـمتانة واقتصادية وكفاءة تجعله قابلاً للاستخدام على نطاق واسع في المنازل والشركات.
كان التحدي الأكبر يتمثل في إيجاد مادة للفتيل (Filament) تتحمل مرور التيار الكهربائي دون أن تحترق بسرعة، وفي الوقت نفسه توفر إضاءة جيدة. بعد تجارب مستفيضة على أكثر من 6000 مادة، استقر إديسون وفريقه في مختبر “مينلو بارك” بولاية نيوجيرسي على استخدام خيط من القطن المكربن (Carbonized Cotton Thread) كفتيل.
كانت اللحظة الحاسمة في أكتوبر 1879، حيث نجح الاختبار الذي استمر فيه المصباح المجهز بفتيل قطني مكربن في العمل لأكثر من 13 ساعة متواصلة. وقدّم إديسون طلباً لبراءة اختراع لهذا المصباح في 4 نوفمبر 1879، حصل عليها في يناير 1880. وفي وقت لاحق، اكتشف فريقه أن ألياف الخيزران المكربنة (Carbonized Bamboo) يمكن أن تدوم لأكثر من 1200 ساعة، مما جعل المصباح أكثر عملية.
كان العرض الخاص للمصباح في أواخر عام 1879 بمثابة إعلان عن نجاح هائل. لم يكتفِ إديسون باختراع المصباح فحسب، بل طور أيضاً نظاماً متكاملاً للإضاءة الكهربائية، بما في ذلك المولدات (Dynamos) والأسلاك والمفاتيح والمقابس، بهدف بناء بنية تحتية للطاقة الكهربائية يمكن أن تنافس نظام إضاءة الغاز السائد آنذاك.
وبحلول 31 ديسمبر 1879، عرض إديسون ابتكاره للجمهور بشكل أوسع في مينلو بارك، مضيئاً الشوارع والمباني أمام حشود متفاجئة ومندهشة. كان هذا العرض إيذاناً بانتهاء عصر الظلام، وبداية عصر جديد يضيئه المصباح الذي تحول من فكرة مجردة إلى واقع ملموس غيّر حياة البشر إلى الأبد.
