بقلم د.نادي شلقامي
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. إن السحر آفة عظيمة ابتليت بها المجتمعات على مر العصور، وهو من كبائر الذنوب التي تهلك الحرث والنسل، وتفسد النفوس، وتفتت الأسر، وتهدم بنيان المجتمعات. لقد جاءت شريعتنا الإسلامية الغراء بتحريم السحر تحريمًا قاطعًا، ووضعت الحدود الزاجرة لمن يمارسه، وحذرت منه أشد التحذير. هذه الرسالة الطويلة هي صرخة حق في وجه الباطل، وتذكرة للمغفلين، ونصيحة للمبتلين، وبيان شافٍ ووافٍ من القرآن والسنة المطهرة لخطورة السحر وأثره المدمر على الفرد والأسرة والمجتمع.
أولا…. الرسالة إلى الذين يفعلون السحر للناس ويضرونهم (السحرة والمُفسدين)
يا من بعتم آخرتكم بدنيا غيركم! يا من أسلمتم قلوبكم للشياطين واتخذتموهم أولياء من دون الله! يا من سلكتم طريق الشر والظلام وأذيتم عباد الله الآمنين! هل تفكرتم للحظة في عاقبة فعلكم الشنيع؟ هل تدبرتم آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تتحدث عن السحر والسحرة؟
إن الله سبحانه وتعالى قد توعد السحرة بأشد العذاب في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (البقرة: 102).
تأملوا هذه الآية الكريمة، كيف وصفت فعلكم بالكفر، وكيف بينت أنكم تتعلمون ما يضركم ولا ينفعكم. لقد ذكرت الآية أن السحرة ليس لهم في الآخرة من نصيب ولا حظ، وذلك جزاءً وفاقًا لما اقترفتموه من إثم.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اجتنبوا السبع الموبقات” قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: “الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات” (متفق عليه). لقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم السحر قرينًا للشرك بالله، وهذا يدل على عظم جرمه وخطورة أثره.
يا من تمارسون السحر! توبوا إلى الله توبة نصوحًا قبل أن يدرككم الموت وتندموا حيث لا ينفع الندم. إن باب التوبة مفتوح ما لم تبلغ الروح الحلقوم. اتركوا هذا الطريق المظلم، وعودوا إلى الله، واعملوا الصالحات.
ثانيا…. أثر ضرر السحر على الفرد والأسرة والمجتمع
أ. على الفرد:
1- الضرر النفسي: القلق الدائم، الاكتئاب، الوساوس، والعزلة.
2- الضرر الجسدي: أمراض جسدية غريبة لا يجد لها الطب سببًا، وآلام متنقلة في الجسم، وضعف عام.
3- الضرر الديني: يضعف الإيمان، ويدفع إلى ترك العبادات والابتعاد عن الله.
ب. على الأسرة:
1- تفكك الروابط الأسرية: السعي إلى تفريق الأزواج والأحبة. قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (البقرة: 102).
2- انتشار المشاكل والخلافات: تصبح البيوت مليئة بالخلافات غير المبررة والصراعات الدائمة.
3- تدهور الأوضاع المعيشية: تعطيل الرزق، وتدهور الأوضاع المادية.
ج. على المجتمع:
1- انتشار الفساد والجهل: يروج السحر للخرافات ويضعف العقول.
2- زعزعة الأمن والاستقرار: يختل الأمن ويسود الخوف بتفكك الأواصر الاجتماعية.
3- الإضرار بالدين والأخلاق: يفتح الباب أمام الشرك بالله والتعامل مع الشياطين.
ثالثا…الرسالة إلى الشخص المسحور والمُبتلى (التوجيهات الشرعية)
يا من ابتليت بهذا الداء العضال، لا تيأس ولا تقنط من رحمة الله. اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك. إنها أقدار الله، والله لا يقدر للمؤمن إلا الخير.
1- قوة الإيمان والتوحيد:
إن السحر لا يضر إلا بإذن الله، وهو ضعيف أمام قوة الإيمان والتوكل. قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: 102). اجعل توكلك على الله حق التوكل.
2- الرقية الشرعية (العلاج النبوي):
الرقية الشرعية هي خير علاج للسحر والحسد. اقرأ على نفسك أو اجعل من تثق فيه يرقيك بالقرآن والأدعية. ومن أهم ما يقرأ:
— سورة الفاتحة وآية الكرسي.
— الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة.
— سورة الإخلاص والمعوذتين (الفلق والناس): ثلاث مرات في الصباح والمساء وعند النوم.
— آيات السحر من سورة الأعراف، ويونس، وطه.
— الأدعية النبوية: مثل: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”.
3- المحافظة على الأذكار والأوراد:
حصّن نفسك بأذكار الصباح والمساء، وأذكار الدخول والخروج من المنزل، فإنها حصن حصين من الشياطين والسحرة.
4- قراءة سورة البقرة في المنزل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة” (رواه مسلم). احرص على قراءتها أو الاستماع إليها.
5- الصبر والدعاء:
اصبر على ما أصابك، وأكثر من الدعاء والتضرع إلى الله، فإن الله سميع قريب مجيب الدعوات.
وفي الختام، نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يهدي ضال المسلمين، وأن يرد السحرة إلى رشدهم، وأن يطهر مجتمعاتنا من هذه الآفة الخبيثة. ونسأله سبحانه أن يشفي كل مسحور ومريض، وأن يرفع البلاء عن الأمة الإسلامية. اللهم إنا نعوذ بك من السحر والسحرة، ومن شر الأشرار وكيد الفجار، ونسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
