د.نادي شلقامي
تصاعد التوتر العسكري بين تايلاند وكمبوديا مجددًا رغم جهود الوساطة الأمريكية، بعد أن أعلنت بانكوك السبت استمرار عملياتها العسكرية على الحدود، في وقت أكد فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الجانبين قد توصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. النزاع بين البلدين يعود لعقود، ويتركز على مناطق حدودية تتضمن معابد تاريخية تعود لإمبراطورية الخمير، ما يجعل التصعيد العسكري قضية ذات أبعاد تاريخية وثقافية إلى جانب البُعد السياسي والعسكري.
أوضح رئيس وزراء تايلاند أنوتين تشارنفيراكول، في منشور على فيسبوك، أن العمليات العسكرية تهدف إلى “التخلص من أي ضرر أو تهديد لأرضنا وشعبنا”، مشيرًا إلى أن الضربات الصباحية كانت كافية لإيصال رسالة واضحة عن موقف بلاده. وأكدت السلطات العسكرية التايلاندية تنفيذ “ضربات انتقامية” على أهداف كمبودية في ساعة مبكرة من صباح الجمعة، مستخدمة طائرات مقاتلة من طراز إف-16 لإسقاط سبع قنابل على مواقع محددة.
من جهتها، أكدت كمبوديا التزامها بالحلول السلمية، حيث قال رئيس وزرائها هون مانيه إن بلاده دائمًا ما سعت لتسوية النزاعات بوسائل سلمية، واقترح الاستعانة بالولايات المتحدة وماليزيا للتحقق من الطرف الذي بدأ القتال أولًا في 7 ديسمبر الجاري. وتأتي هذه التطورات بعد موجة عنف سابقة في يوليو الماضي أسفرت عن مقتل 43 شخصًا ونزوح نحو 300 ألف شخص.
ويعود النزاع الحدودي بين تايلاند وكمبوديا إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية أوائل القرن العشرين، ويتركز على مناطق تتضمن معابد ومواقع أثرية تعود لإمبراطورية الخمير، وهو نزاع استمر لأكثر من عقود وأصبح محل اهتمام دولي بسبب استمرار التصعيد العسكري وتهديد الاستقرار في جنوب شرق آسيا. وقد أُبرم اتفاق سابق لوقف إطلاق النار في 26 أكتوبر برعاية ترامب وماليزيا، لكنه انهار بعد انفجار لغم أرضي أصاب جنودًا تايلانديين، ما أعاد النزاع إلى مربع العنف العسكري.
مع استمرار العمليات العسكرية وتصاعد التوتر على الحدود، يبقى مستقبل العلاقات بين تايلاند وكمبوديا غير واضح، وسط تحذيرات دولية من تفاقم الأزمة الإنسانية نتيجة نزوح مئات الآلاف وارتفاع عدد الضحايا المدنيين والعسكريين. وتستمر جهود الوساطة الدولية، لكن التصريحات المتبادلة تشير إلى أن الطرفين متمسكان بمواقفهما، ما يجعل احتمال العودة إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار أمراً معقداً وحساساً للغاية.
