أحمد عبد العال بكرى
أعادت واقعة الفنانة ريهام عبد الغفور فتح ملف بالغ الحساسية في المجتمع المصري، لا يتعلق بشخص بعينه، بقدر ما يمس منظومة قيم باتت مهددة في ظل انتشار الهواتف الذكية وثقافة التصوير والنشر دون وعي أو إذن أو اعتبار للخصوصية.
فالحشمة في الملبس ليست مجرد قطعة قماش أو اختلاف أذواق، بل هي سلوك عام يعكس احترام الإنسان لنفسه ولمحيطه، ويُسهم في تهدئة المجال العام بدل استفزازه غير أن الحشمة وحدها لا تكفي إن غابت عنها قيمة لا تقل أهمية، وهي احترام خصوصيات الآخرين وعدم تحويل حياتهم أو مظهرهم إلى مادة للتصوير والتعليق والوصاية.
إن ما حدث يطرح سؤالًا جوهريًا:
من أعطى الحق لأي شخص أن يلتقط صورًا للآخرين دون إذنهم؟
ومن خوّل للبعض أن ينصّب نفسه قاضيًا أخلاقيًا يوزع أحكامه عبر مواقع التواصل؟
فالخصوصية حق أصيل، لا يسقط بكون الشخص شخصية عامة، ولا يُلغى بوجوده في مكان عام. والتصوير دون رضا، ثم النشر مصحوبًا بالسخرية أو التحريض أو التشهير، هو انتهاك أخلاقي وقانوني قبل أن يكون مخالفة للذوق العام.
إن الدفاع عن الحشمة لا يعني تبرير الاعتداء المعنوي، كما أن المطالبة بالاحترام لا تعني مصادرة النقاش المجتمعي. لكن الفارق كبير بين النصيحة والفضيحة، وبين الغيرة على القيم والتنمر والتشهير.
لقد اعتاد مجتمعنا أن يوازن بين القيم والتسامح، وبين النصيحة والستر. أما ثقافة “التصوير أولًا ثم الإدانة” فهي دخيلة، تهدد السلم الاجتماعي، وتحوّل الفضاء العام إلى ساحة محاكمات شعبية بلا قانون ولا ضمير.
الرسالة الأهم من هذه الواقعة ليست في الدفاع عن شخص، بل في الدفاع عن مبدأ:
لا حشمة حقيقية دون أخلاق،
ولا أخلاق دون احترام،
ولا مجتمع سويّ دون صون للخصوصيات.
ويبقى الوعي هو الحل، بأن نُعيد للملبس معناه القيمي، وللهاتف حدوده الأخلاقية، وللكلمة وزنها الإنساني، حتى لا نصبح مجتمعًا يرفع شعار الفضيلة ويمارس الانتهاك.
