كتب خالد جمال غالب
الصداقة من أسمى العلاقات الإنسانية التي تقوم على الاختيار الحر لا يفرضها نسب ولا تجمعها مصلحة بل تنبع من توافق الأرواح وتقارب القلوب الصديق الحقيقي هو من يجد الإنسان لديه الأمان قبل الكلام والطمأنينة قبل الشكوى ففي وجوده يشعر المرء أن هناك من يفهمه دون شرح ويقدره دون تبرير
الصداقة الحقيقية لا تظهر في أوقات الفرح فقط بل تتجلى قيمتها في لحظات الضعف والانكسار حين تقل الوجوه وتختفي المجاملات ويبقى من يحمل القلب بصدق الصديق وقت الشدة لا يغيره الزمن ولا تبدله الظروف يقف بجوارك دون طلب ويشاركك الهم قبل الحل ويمد يده لا ليلفت الأنظار بل ليحفظ الكرامة
وليست الصداقة كلمات جميلة أو وعودا تتردد بل هي مواقف تثبتها الأيام فكم من علاقة ظنناها صداقة وانتهت عند أول اختبار وكم من شخص لم يكن في الحسبان أصبح سندا حقيقيا فالصديق الحق هو من ينصحك بصدق حتى لو خالفت النصيحة هواك ومن يواجهك بالخطأ حبا لا قسوة ومن يحفظ سرك كأنه سره
ولا تقاس الصداقة بطول العشرة ولا بكثرة اللقاءات فقد يجمعك العمر بإنسان ولا يجمعك به قلب وقد تعرف شخصا في وقت قصير فيترك أثرا لا يزول فالمعيار الحقيقي هو ثبات الموقف وصدق النية ونقاء القلب الصداقة ليست قرب مسافة بل قرب روح وليست مشاركة وقت بل مشاركة شعور
وفي ظل ضغوط الحياة وتسارعها تصبح الصداقة ملاذا إنسانيا ضروريا فهي تخفف الأعباء وتمنح القوة وتعيد التوازن النفسي للإنسان ومع الصديق الصادق يصبح الحزن أخف والفرح أعمق والطريق أهون لأن المشاركة تصنع الفرق والدعم يمنح القدرة على الاستمرار
لكن الصداقة مسؤولية قبل أن تكون نعمة فهي تحتاج إلى رعاية واهتمام وتقدير متبادل تحتاج إلى تسامح عند الخطأ وصبر عند الخلاف وقدرة على العتاب دون جرح فالاختلاف لا يفسد الصداقة إن وُجد الاحترام أما الإهمال فهو العدو الأول لأي علاقة فالصديق الحقيقي لا ينتظر المقابل لكنه يقدّر الوفاء
وفي زمن التواصل السريع كثرت المعارف وقل الأصدقاء الحقيقيون فليس كل من عرفك صديقا ولا كل من ابتسم لك مخلصا الصداقة الحقيقية تحتاج إلى وقت وتجربة ومواقف مشتركة تنقيها من الزيف وتثبت صدقها.
