بقلم / أسامة نجيب
مع نهاية كل عام ميلادي وبداية عام جديد تتوقف جميع حواسي أمام قاطرة وجداني كثيرا ، _لما لا _ وهذه الأيام تستحضر ذكري ميلادي ، فقد قدر لي أن تكون ذكري ميلادي علي رأس اليوم الأول من بداية كل عام ميلادي .
ووقفة حواسي أمام وجداني دائما لأسال نفسي ماذا كان ، وماذا بعد ؟ وماذا يمكن أن يكون؟
لتكون إجابة أسئلتي بسؤال آخر ! وماذا قدمت فيه لنفسك وللآخرين ؟ …
لتستحضر فى عجالة حارات العقل الدفين مقولة الحسن البصري : ”يا ابن آدم ..
إنّما أنتَ أيام ، فإذا ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضك ” ..
ليزداد الصراع الداخلي ولتستحضر نفس حارات العقل الدفين سؤال آخر أكثر غموض منسوب لبعض علماء العلوم الإنسانية والذي قد يستغربه الجميع كيف يطول عمرك ؟!
_ نعم _سؤال قد يبدو للوهلة الأولى غريبا وغامضا وغير مفهوم بعض الشيء , كيف هذا ؟! فهل يمكن لأحد أن يطيل عمره ؟!
لكنه عند التدقيق والتمحيص يبدو في غاية الوضوح والعقلانية والمنطقية في آن واحد .
إن الإنسان بطبيعته مفطور على حب الحياة ، ويرجو أن لو طال عمره ، بل ويتمنى الخلود إن استطاع .
ولأن العلماء رصدوا لعمر الإنسان أكثر من مقياس بين عمر زمني وعمر بيولوجي واخر معنوي .
فالعمر الزمني هو المعروف لدي الجميع وهو الذي يقاس بمرور الدقائق والساعات والأعوام .
أما “العمر البيولوجي” للإنسان فهو العمر الذي يرتبط بصورة مباشرة بعمر خلاياه ومدى صحتها , حتى يبدو البعض ممن بلغ الستين من عمره وكأنه في الأربعين لصحة وعافية خلاياه ، في حين قد يبدو آخرين من أبناء الثلاثين وكأنهم قد شارفوا الأربعين بسبب خلل في تلك الخلايا .
إن العمر الحقيقي للإنسان لا يقاس بالسنوات ، والروح لا تكبر بتقادم الأيام ، فبذلك لا يمكن إحصاء العمر عاماً يلو الآخر ولا الإعداد والتحضير لذاك الرقم الذي تقام له الاحتفالات في كل عام …
فنحن نكبر سنوات بكلمة مسيئة ، بطعنة غدر ، بنظرة خيانة ، بتواجدنا مع الشخص الخطأ .
ونصغر سنوات في لحظة سعادة ، في لحظة تكريم ، مع كلمة طيبة ، مع غمرة عطاء ، مع قطف خير ، في جوار من نحب ومع من نسعد بهم ، نصغر سنوات وسنوات بالعطاء وما نقدمه للآخرين، “ومن ذاق عرف” .
إذن فالمقياس الحقيقي لعمر أي إنسان على أي أرض تُقاس بحجم العطاء والعمل، وليس بطول الأيام التي تُعاش .
ولنا في سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه المثل الأمثل ، فلقد عاش رضي الله عنه ست سنوات فقط في ظل الإسلام , حيث أسلم و عمره 31 وتوفي وهو في ال37 من عمره , ورغم قصر حياته في ظل الإسلام إلا أنها كانت كافية لملئها بالأعمال والإنجازات العظيمة , التي جعلت من سعد بن معاذ علما من أعلام الصحابة الكرام .
ويكفي هذا الصحابي الجليل شرفا أن يهتز عرش الرحمن لموته كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم , وأن يشيعه سبعون ألف ملك لم يطئوا الأرض قبل يوم تشييعه , وأن تفتح لوفاته أبواب السماء .
وغيره أيضا الكثيرون ممن ماتت أجسادهم ولم تمت سيرتهم ولا علمهم ، فكما تعلمنا من والدينا عليهم سحائب رحمات الله أن “الإنسان سيرته أطول من عمره” ، وهذا ما ترجمه الإمام الشافعي حينما قال :
” قد مات قوم وما ماتت فضائلهم .. وعاش قوم وهم في الناس أموات “…
لذا لا تسألوا احدا عن عمره فالعمر لا يحدده تاريخ ولا عدد شموع ، ولا تؤكده شهادة ميلاد .
فقط ! اسألوه عن لحظات السعادة ، عن كمية التجارب وحجم الانجازات ، عن القيمة المضافة لحياتنا ولحياة الآخرين ، عن كمية الابتسامات التي عبرت خطوط وجهه ، وكمية الابتسامات التي خطها على وجوه الاخرين ، عن العقبات التي تجاوزها ومحطات الحياة التي عبرها .
لا تصدقوا كذبة السنوات ، فالأرقام ليست إلا وهماً يتصاعد مخلفاً وراءه حقيقة أكبر من أن تُعد وأعظم من أن تُحصى..
نعم .. نعم .. نعم ، إطالة العمر ممكنة بل ومتاحة للجميع ، ممكنة بموروث عطاء الإنسان ، ممكنة بموروث سيرته الطيبة ، ممكنة بموروث الطاعات والتقربات وما قدمه للآخرين من خدمات ومنفعة حتي وإن كان ذلك برسم ابتسامة في يوم علي وجه منكسر أو ضعيف أو يتيم ، نعم ممكنة بمكنوز العمل الصالح ، والعلم النافع ، ومكنوز الولد الصالح .
فاصنع في حياتك جميلًا يبقى أثره بعد وفاتك ، ويكون ملازمًا لاسمك طول الدهر .
” فظلام الغياب بالفناء يمحيه نور العطاء بالبقاء ” .
