بقلم السيد عيد
ما جرى في حفل زفاف أحد مشاهير السوشيال ميديا ليس مجرد واقعة عابرة، ولا “أكشن” يصلح للضحك ثم النسيان، بل هو مرآة فجة لذوق عام يتدهور، ولحالة انحدار ثقافي باتت تُقدَّم لنا يوميًا في صورة محتوى، ونُطالَب طواعية أو قهرًا بمتابعته ومشاركته والتفاعل معه.
نحن لا نتحدث عن زفاف خرج عن السيطرة فحسب، بل عن مشهد كامل تتقاطع فيه الرداءة مع الفوضى، ويختلط فيه الاستعراض الفارغ بالعنف، وتتحول فيه مناسبة يفترض أنها إنسانية وخاصة إلى ساحة صراع، وسيرك مفتوح، و”فرجة” بلا أي معنى.
السؤال الحقيقي ليس: ماذا حدث؟
بل: لماذا نتابع؟ ولماذا نمنح كل هذا الصخب قيمة؟
في زمنٍ ما، كان “المشهور” شخصًا قدّم شيئًا: فكرة، موهبة، موقفًا، أو حتى خلافًا ذكيًا.
أما اليوم، فبعض الشهرة تقوم على الصراخ، والاستفزاز، وكسر كل ما هو لائق، ثم انتظار الكاميرا لتوثّق الانهيار.
الذوق العام لا ينهار فجأة، بل يتآكل تدريجيًا.
حين نضحك على الفوضى، ونبرر القبح، ونحوّل الإهانة إلى محتوى، والعنف إلى “ترند”، فنحن شركاء ولو بالصمت في صناعة هذا المشهد.
الأخطر أن هذه النماذج تُقدَّم باعتبارها “نجاحًا”، ويُقاس وزن الإنسان بعدد المشاهدات لا بقيمة ما يقول أو يفعل. وهنا يتحول العبث إلى قدوة، والضجيج إلى حلم، والفوضى إلى طريق مختصر للشهرة.
ما حدث في ذلك الحفل ليس استثناءً، بل نتيجة منطقية لمجتمع رقمي بلا معايير، يُكافئ الأسوأ لأنه “أكثر تداولًا”، ويُعلي من شأن التفاهة لأنها “تجيب تفاعل”.
لسنا أوصياء على الناس، ولا دعاة وصاية أخلاقية، لكن من حقنا أن نسأل:
إلى أين نذهب بذوقنا؟ ولماذا نقبل أن يُختزل المشهد العام في هذه الصور؟
القضية ليست في شخص بعينه، بل في مناخ كامل يسمح بأن تتحول الرداءة إلى عرض يومي، وأن يصبح الانحدار مادة للضحك، ثم نندهش بعد ذلك من الفوضى.
ربما آن الأوان أن نُغلق الكاميرا قليلًا، ونفتح عقولنا أكثر، وأن نُدرك أن “المشاهدة” ليست فعلًا بريئًا دائمًا، وأن بعض ما نتابعه… يسيء إلينا قبل أن يسيء لأحد آخر.
