جمال حشاد
ثورة 23 يوليو 1952، التي قادها الضباط الأحرار في مصر، كانت واحدة من أكثر اللحظات حسمًا في تاريخ مصر الحديث والعالم العربي. لكن خلف الصور المعروفة لرجال الجيش والمظاهرات الحاشدة، تكمن أسرار وخفايا ساهمت في تشكيل مسار الثورة وتحقيق أهدافها. هذا المقال يستعرض بعضًا من أهم تلك الأسرار التي لم تكن معروفة لعامة الشعب وقت حدوث الثورة.
1. التوقيت المدروس بدقة:
رغم أن الثورة بدأت في الساعات الأولى من يوم 23 يوليو، إلا أن الموعد كان محل جدل طويل بين الضباط الأحرار. فقد كان هناك تخوف من انكشاف الخطة قبل تنفيذها، خاصة مع نشاط المخابرات الملكية في تلك الفترة. في النهاية، اختير هذا التوقيت تحديدًا لكونه موسم الإجازات العسكرية، ما يعني قلة الحركة في الثكنات وسهولة السيطرة على المقرات الحيوية.
2. تدخل المخابرات البريطانية والأمريكية:
على عكس ما هو شائع، لم تكن القوى الأجنبية غائبة عن مجريات الثورة. هناك أدلة على أن بعض ضباط المخابرات البريطانية والأمريكية كانوا على علم بتحركات الضباط الأحرار، بل إن بعض التحليلات تشير إلى أن الغرب كان يرى في الضباط الأحرار بديلاً مقبولاً عن الملك فاروق الذي فقد الكثير من شعبيته، شريطة ألا تتجه مصر نحو الشيوعية.
3. الخلافات بين الضباط الأحرار:
رغم وحدة الهدف الظاهرة، لم يكن صف الضباط الأحرار متماسكًا بالكامل من الداخل. كان هناك تباين كبير في الرؤى، خاصة بين جمال عبد الناصر – المنظر الحقيقي للثورة – ومحمد نجيب الذي كان واجهتها السياسية. ظهرت هذه الخلافات سريعًا بعد نجاح الثورة، وانتهت بإقصاء نجيب من المشهد السياسي عام 1954.
4.الدعم الشعبي غير المتوقع:
في البداية، لم يكن الضباط الأحرار يملكون تأكيدًا حاسمًا على دعم الشعب لتحركهم. لكن ما حدث بعد إعلان البيان الأول للثورة فاق توقعاتهم؛ فقد نزل الآلاف إلى الشوارع يهتفون للجيش ويرفضون عودة النظام الملكي. هذا الدعم المفاجئ أعطى قادة الثورة الثقة للمضي قدمًا بخطوات جذرية مثل إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية.
5. الدور السري للصحافة والمثقفين:
قبل الثورة، كانت هناك شخصيات صحفية وأدبية بارزة على تواصل غير مباشر مع الضباط الأحرار، وكان بعضهم يروج لأفكار مناهضة للفساد الملكي والاحتلال البريطاني. ساعد هذا المناخ الثقافي على تمهيد الأرض نفسيًا للثورة في أذهان الشعب.
6. الملك فاروق… وتنازله السلمي:
من أبرز أسرار الثورة أن الملك فاروق وافق على التنازل عن العرش ومغادرة البلاد دون مقاومة عسكرية تُذكر. وتبين لاحقًا أن الضباط الأحرار تعمدوا منح الملك فرصة الرحيل بكرامة، كي لا يتحول إلى رمز مقاومة أو تنزلق البلاد إلى حرب أهلية.
ثورة 23 يوليو لم تكن مجرد انقلاب عسكري كما يصورها البعض، ولا مجرد حركة شعبية كما يراها آخرون. إنها مزيج معقد من التخطيط المحكم، التوازنات الدولية، والديناميكيات الداخلية التي شكلت نقطة تحول كبرى في تاريخ مصر والمنطقة. وفهم أسرارها يمنحنا رؤية أعمق لتطورات الحياة السياسية والاجتماعية في مصر والعالم العربى.
