منوعات

ثمن الرغيف

بقلم: أحمد القاضى الأنصارى

في أحد الأحياء القديمة، حيث البيوت متلاصقة كأسرار القلوب، كان يعيش طفل يُدعى “علي” مع والدته الأرملة في بيت متواضع من الطوب اللبن. كانت أمه تبيع الخضار على الرصيف، بينما يذهب علي إلى المدرسة حافي القدمين، يحمل في حقيبته قطعة خبز يابس وقليلاً من الملح… لكنه لا ينسى أن يبتسم.

وعلى الطرف الآخر من المدينة، كان يعيش “سليم”، طفل في نفس عمر علي، ابن أحد كبار التجار. يمتلك غرفة فاخرة، وألعابًا حديثة، وسائقًا يُقله إلى مدرسته الخاصة، ومع ذلك، نادرًا ما شوهد مبتسمًا.

ذات يوم، قررت مدرستا الطفلين تنظيم نشاط خيري مشترك، طُلب فيه من كل طالب أن يتبرع بشيء للفقراء.

جاء علي بورقة صغيرة كتب فيها:

“لا أملك مالاً، لكن يمكنني أن أساعد في تنظيف البيوت أو حمل الأغراض لكبار السن.”

أما سليم، فقد أحضر ظرفًا أنيقًا بداخله مبلغ من المال، ووضعه في صندوق التبرعات دون أن يتوقف.

في يوم توزيع التبرعات، قرأت معلمة النشاط ما كتبه علي، فذهبت إلى مدرسته تطلب لقاءه. وحين قابلته، سألته باستغراب:

– “يا علي، لماذا لم تكتب فقط أنك فقير؟”

فأجابها بعينين صادقتين ونبرة هادئة:

– “لأني لا أشعر أنني فقير… ما دام قلبي مليئًا بالخير، ويدي قادرة على العطاء، فأنا غني.”

تأثرت المعلمة بكلماته، وشاركت قصته أمام جميع الطلاب في الحفل الخيري. ساد الصمت، وارتجفت بعض القلوب. حتى سليم نفسه شعر بشيء جديد لم يعرفه من قبل: احترام الفقر الشريف، والحياء في السؤال، وكرامة النفس رغم الحاجة.

مرت السنوات، وأصبح علي طبيبًا يعالج الفقراء مجانًا. أما سليم، فصار رجل أعمال ناجحًا، لكنه لم ينسَ ذلك اليوم، فأنشأ مؤسسة خيرية سمّاها:

“مؤسسة الرغيف الطيب”

تكريمًا لذكرى أول درس تعلّمه عن الكرامة والإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى