فادية الريس
في عالم يموج بالصراعات والتقلبات الجيوسياسية، تبقى الحكمة السياسية والقدرة على التنبؤ بالمخاطر من أهم مقومات بقاء الدول وتقدُّمها. ومصر، بتاريخها العريق وحاضرها القوي، كانت دائمًا على موعد مع تحديات كبرى. لكن ما يميز اللحظة الراهنة هو وجود قيادة سياسية واعية تمتلك من الرؤية والبصيرة ما يؤهلها لتحويل التحديات إلى فرص، والكوارث المحتملة إلى إنجازات واقعية تحفظ كرامة المواطن، وتصون مقدرات الوطن.
أزمة سد النهضة: تهديد حقيقي وتحرك مصري فوري
منذ بداية ملف سد النهضة الإثيوبي، كانت القيادة المصرية تتابع التطورات عن كثب، وبتقدير عالٍ للمخاطر المحتملة. ورغم محاولات التفاوض والاحتواء، جاءت اللحظة الحرجة حين اضطرت إثيوبيا، وتحديدًا قباداتها في إدارة السد، إلى فتح بوابات السد بشكل مفاجئ بسبب عجز السد عن استيعاب كميات المياه المتدفقة إليه، سواء نتيجة للأمطار الغزيرة أو أخطاء في الملء.
هذا القرار الإثيوبي المفاجئ لم يكن بلا عواقب، حيث تسبّب في كارثة حقيقية أدت إلى غرق مناطق واسعة جنوب إثيوبيا، وامتدت آثارها إلى السودان، التي سارعت بدورها إلى إرسال تحذيرات عاجلة إلى مصر حول احتمالية وصول كميات ضخمة من المياه في وقت قصير جدًا، بما يهدد الأمن المائي ومناطق جنوب مصر بالغرق.
القيادة المصرية تتحرك بذكاء وهدوء
لم تتعامل القيادة السياسية المصرية مع الموقف بعشوائية أو ارتباك، بل تم اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة، تعكس مدى الجاهزية والتخطيط المسبق لمثل هذه السيناريوهات. وكان القرار الحاسم بفتح بوابات السد العالي خطوة عبقرية، ليست لهدر المياه كما حاول البعض تصويره، بل لتوجيه تلك الكميات الزائدة من المياه إلى مشاريع الأنهار الصناعية التي نفذتها الدولة خلال السنوات الماضية بهدف استصلاح الصحراء وتوسيع الرقعة الزراعية في مصر.
هذا التحرك السريع أنقذ مصر من خطر الغرق، وفي الوقت ذاته ساهم في الاستفادة القصوى من المياه، بما يعزز الأمن الغذائي ويخدم مشروع التنمية الشاملة الذي تقوده الدولة منذ سنوات.
الأنهار الصناعية: من رؤية طموحة إلى طوق نجاة
لم يكن مشروع الأنهار الصناعية حلمًا مجردًا أو مشروعًا دعائيًا، بل كان جزءًا من استراتيجية قومية متكاملة تستهدف نقل المياه إلى المناطق الصحراوية لزراعتها وتحويلها إلى واحات إنتاجية جديدة. وعندما جاء التهديد المائي من خارج الحدود، أثبتت هذه المشاريع أهميتها القصوى، حيث استوعبت المياه الفائضة، ووفرت مسارات آمنة لتصريفها دون المساس بالبنية التحتية أو حياة المواطنين.
السد العالي: درع مصر المائي
فتح بوابات السد العالي لم يكن عبثيًا، بل جاء لحماية الشعب وتأمين استقرار البلاد. وقد أثبت السد مرة أخرى أنه ليس فقط رمزًا تاريخيًا، بل هو درع مصر المائي الذي صممه عظماء، وتديره اليوم قيادة لا تقل عنهم وعيًا وإخلاصًا. فالمياه التي تدفقت عبره لم تذهب هدرًا، بل تم توجيهها بذكاء لتخدم الأمن القومي المصري.
فخر العروبة وحامي مصر
وفي ظل هذه التطورات، تجدد فخر المصريين والعرب بقيادتهم السياسية ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أدار هذا الملف الحساس بكفاءة عالية، وجنّب الوطن كارثة كانت ستضرب في العمق لولا يقظة القرار، وجرأة التحرك، وعمق التخطيط.
لقد تحوّلت لحظة خطر إلى لحظة وعي واعتزاز. لحظة تجلّت فيها معاني العزة والكرامة، وتجسدت فيها حكمة القائد الذي لم يرضَ أن يكون شعبه في موقع المتفرج على تهديد، بل بادر بالحماية، وسبق الخطر قبل أن يصل، وصنع من الأزمة فرصة للبناء والتنمية.
خاتمة:
التاريخ لا ينسى القادة الذين حَمَوا أوطانهم في اللحظات المصيرية، ومصر لن تنسى كيف أنقذتها قيادتها السياسية من كارثة حقيقية كانت تلوح في الأفق. فاليوم، نشهد كيف تحولت التهديدات إلى إنجازات، وكيف صنعت البصيرة السياسية درعًا واقعيًا يحمي الشعب، ويقود البلاد نحو مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا.
ومن هنا، نقولها بكل فخر: نعم، نفخر بقيادتنا السياسية، وبقائد هو رمز العزة والكرامة… فخر العروبة.
