علميمقالات

القلب والبصيرة

بقلم – دكتور مصطفي عبدالله

ليست كل نظرةٍ – بصيرة، ولا كل قلب – حي.

كثيرون يمشون بيننا بأعين تبصر التفاصيل، لكنها لا ترى المعنى.

وكأنّهم فقدوا شيئا أعظم من البصر، فقدوا نور القلب.

يقول الله في كتابه الكريم:

فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج: 46)

البصيرة لا تقاس بما تراه العيون، بل بما يراه القلب حين يضاء بنور الإيمان، وحين يستشعر المعاني خلف الأحداث، والمقاصد خلف الأقوال، والنوايا خلف الوجوه.

القلب المبصر لا تضله المظاهر، ولا تغريه الأضواء، ولا يخدعه الزيف، لأنه لا ينظر بعين الرأس، بل ببصيرة القلب، التي علمها الله، وزكاها بالإيمان.

كذلك النور الذي يسكن القلب، لا يشترى بثمن، بل يولد في لحظة صدق خالصة.

في سجدة ترتقي بالروح إلى أبواب السماء، ودمعة تغسل أوجاع القلب، وتوبة ترجِع إلى القلب سكينته المفقودة، وتفتح له باب الرجوع إلى ربه نورا وسكينة ورضا.

من أراد أن يرى الحياة بوجهها الحقيقي، فليطهر قلبه من حقد دفين، ويغسله من غبار الغفلة، ويزرعه حبا لله، وتوكلا عليه، وصفاء في النية.

فالقلب إذا أشرق بنور الله، أبصر ما يعجز عنه البصر، وفهم ما يعجز عنه العقل، وهدأ في زمن ضجت فيه الأصوات وتاهت فيه المعاني.

وما أعظم أن تمشي في دروب الحياة، لا بعينين فقط، بل بقلب يرى، ويدرك، ويهتدي.

قلب يحن إلى الخير، ويغفر الزلل، ويرى بما وراء الكلمات، ويبحث عن النور لا الزينة، عن الجوهر لا القشرة.

فهنيئا لمن أنار الله صدره، وهداه إلى بصيرة، وأبصر بقلبه حين أظلمت العيون.

ولنتذكر دائما ما أكرم الله عبدا بنعمة أعظم من قلب حي، ونظر نقي، وبصيرةٍ تهتدي به في ظلام الدنيا إلى نور الآخرة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى