دارين محمود
شهد قلب القاهرة التاريخي، وتحديداً منطقة الأزبكية، ميلاداً ثقافياً وعمرانياً جديداً تمثل في مشروع التجديد الشامل لسور الأزبكية، الذي يُعد واحداً من أعرق وأهم أسواق الكتب المستعملة والنادرة في الشرق الأوسط. ولم يكن التجديد مجرد ترميم، بل كان إعادة إحياء لمَعلم ثقافي هام بثوب حضاري متكامل ينسجم مع الهوية المعمارية والتراثية للقاهرة الخديوية.
تصميم يجمع بين الأصالة والحداثة
في خطوة لافتة، أنجزت محافظة القاهرة ووزارة الإسكان مشروع تطوير مكتبات السور ليضم نحو 133 كشكاً جديداً. وتميزت هذه الأكشاك بتصميم متطابق ومستوحى من العمارة الإسلامية وتصاميم الأرابيسك، مما أضفى عليها رونقاً جمالياً يعكس تاريخ المنطقة ويحافظ على نسقها الحضاري. هذا التصميم لم يكن اختياراً عشوائياً، بل جاء نتيجة مسابقة بين طلبة الجامعات، وتم استلهام الشكل النهائي بما يتوافق مع النسق التاريخي والشكل المعماري العام للقاهرة الخديوية.
بيئة عمل حضارية وعناصر أمان متكاملة
ما يميز التجديد هو حرص الدولة على توفير بيئة عمل حضارية للباعة وملاذ مريح لزوار وعشاق الكتب. فقد نُقلت الأكشاك من موقعها القديم العشوائي إلى ساحة مجاورة لسنترال الأوبرا، وتم تزويدها بالآتي:
* مواد معالجة: صُنعت الأكشاك من أخشاب معالجة ضد الحرائق ومزودة بوسائل حماية مدنية متكاملة، بما في ذلك طفايات حريق وشبكات إطفاء وعزل حراري، لتأمين هذا المخزون الثقافي الثمين.
* تنظيم وتنسيق: أصبحت الممرات بين الأكشاك منظمة وتحمل أسماء رموز الأدب المصري العظيم، مثل “نجيب محفوظ” و”طه حسين”، مما يضيف بعداً ثقافياً وفنياً للمكان.
* مرافق خدمية: شمل التطوير إنشاء أربع كافتيريات ومناطق انتظار وحمامات لائقة، لتوفير “عناصر نفسية وفيزيائية مريحة” للزائر، لم تكن متوفرة في الموقع القديم.
إعادة رونق الكتاب
لقد عانى سور الأزبكية لسنوات من العشوائية والازدحام، حيث كانت الكتب تُعرض على الأرض في بعض الأحيان، مما كان يقلل من رونقها. ووفقاً لشهادات البائعين والزوار، فإن المكان في ثوبه الجديد قد “أعاد للكتب احترامها” وأصبح “نظاماً أوروبياً راقياً جداً” يتماشى مع خطة أكبر لإحياء القاهرة الخديوية.
لم يقتصر التطوير على الأكشاك، بل جاء ضمن مشروع أوسع لإعادة إحياء حديقة الأزبكية التراثية كمتنفس ومتنزه لسكان القاهرة، حيث شمل تطوير البحيرة، والنافورة الأثرية، والمسرح الروماني، واستعادة القيمة المعمارية للمباني المطلة عليها، مؤكداً على أن سور الأزبكية يظل عنصراً حيوياً ومقياساً لحضارة وتطور المنطقة.
إن تجديد سور الأزبكية لا يمثل مجرد مشروع عمراني، بل هو رسالة واضحة بتقدير قيمة الكتاب والمثقف، وإعادة الاعتبار لواحد من أهم المعالم الثقافية والتاريخية التي شكلت وعي أجيال من القراء في مصر والوطن العربي.
