نجده محمد رضا
في عالم يسير بإيقاع هادئ، هناك عقول تعمل بسرعة الضوء، تقفز من فكرة إلى أخرى، وتشتعل بالأفكار كما يشتعل البرق في السماء. تلك هي عقول المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه، المعروف اختصارًا بـ (ADHD)، وهو أحد أكثر الاضطرابات العصبية السلوكية تعقيدًا وإثارة للاهتمام في العصر الحديث.
ما هو اضطراب (ADHD)
اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه أو Attention Deficit Hyperactivity Disorder هو حالة عصبية تصيب الأطفال والبالغين على حد سواء، وتؤثر في القدرة على التركيز، وتنظيم الوقت، وضبط السلوك، والسيطرة على الانفعالات.
الأطباء يصفونه بأنه خلل في نظام تشغيل الدماغ، يجعل صاحبه يعيش في سباق دائم بين الأفكار والأفعال.
تشير الإحصاءات إلى أنّ حوالي ثمانية في المئة من الأطفال في العالم يعانون من هذا الاضطراب، ونسبة غير قليلة منهم تستمر الأعراض معهم في سن البلوغ.
الأسباب تختلف، لكن العلماء يجمعون على أنها خليط بين الوراثة والعوامل البيئية، إلى جانب اختلافات في كيمياء الدماغ، خاصة في مستوى مادة الدوبامين المسؤولة عن التحفيز والمكافأة.
دماغ لا يهدأ لكنه عبقري
دماغ المصاب بالـ ADHD لا يتوقف عن العمل، بل يشبه محرك سيارة يعمل بطاقة عالية طوال الوقت.
إنه ليس دماغًا ضعيف التركيز، بل دماغ مفرط النشاط.
يُظهر التصوير العصبي أن الفص الجبهي في أدمغتهم، وهو المسؤول عن التنظيم والتخطيط، يعمل بنشاط مختلف، مما يجعلهم يتعاملون مع الواقع بطريقة فريدة ومبتكرة.
ولهذا السبب، كان من بين المشاهير الذين يُعتقد أنهم عانوا من ADHD:
ألبرت أينشتاين، الذي عُرف بتشتّت تركيزه في المدرسة وبعبقريته في النظرية النسبية.
ليوناردو دا فينشي، الرسام والمخترع الذي بدأ مئات المشروعات ولم يُكمل معظمها بسبب تشتّت أفكاره.
توماس إديسون، الذي لم يحتمل النظام المدرسي وكان كثير الحركة، لكنه غيّر وجه العالم باختراعاته.
بيل غيتس، مايكل فيلبس، وجيم كاري، جميعهم تحدّوا الاضطراب وحققوا نجاحًا عالميًا.
إنه الدليل على أن الـ ADHD لا يعني الفشل، بل قد يكون بوابة العبقرية.
أنواع اضطراب (ADHD)
ينقسم هذا الاضطراب إلى ثلاثة أنواع رئيسية، تختلف في الأعراض، لكنها تلتقي في النتيجة: عقل متسارع الإيقاع.
النوع الأول: تشتّت الانتباه (ADHD-I)
ويتميّز بصعوبة التركيز لفترات طويلة، نسيان التفاصيل والأدوات، الضياع في المهام اليومية، والغرق في الخيال أثناء الكلام.
النوع الثاني: فرط الحركة والاندفاع (ADHD-HI)
ويتميّز بالنشاط الحركي الزائد، ومقاطعة الآخرين أثناء الحديث، واتخاذ قرارات مفاجئة دون تفكير، ورغبة دائمة في الحركة والكلام.
النوع الثالث: المختلط (ADHD-C)
يجمع بين فرط الحركة وتشتّت الانتباه، وهو النوع الأكثر شيوعًا، حيث يعيش صاحبه صراعًا داخليًا بين التركيز والحركة المستمرة.
كيف يتغلّب أصحاب (ADHD) على التحدي
رغم أن الاضطراب لا يُعالج تمامًا، إلا أن السيطرة عليه ممكنة بنسبة كبيرة بفضل العلاج السلوكي والتدريبات الذهنية، إضافة إلى الأدوية المنظِّمة لنشاط الدماغ تحت إشراف طبي.
أما الجانب الأهم، فهو التكيّف الذكي مع نمط الدماغ المختلف.
لقد تغلّب بعض العباقرة على هذا الاضطراب بطرق مدهشة.
أينشتاين ركّز طاقته في الرياضيات والخيال العلمي بدل الدراسة التقليدية.
دا فينشي كتب أفكاره في دفاتر صغيرة حتى لا تضيع وسط فيض الإلهام.
إديسون استخدم اندفاعه في التجريب المستمر حتى وصل لاختراع المصباح الكهربائي.
السر لم يكن في محاربة الاضطراب، بل في تطويعه وتحويله إلى طاقة إبداع.
اضطراب الـ ADHD ليس ضعفًا، بل أسلوب مختلف في رؤية العالم.
فكل عقل يعمل بطريقة خاصة، وما يبدو تشتّتًا في نظر البعض قد يكون عبقرية غير مروّضة في نظر آخرين.
إن دعم هؤلاء الأشخاص لا يصنع منهم مجرد أفراد ناجحين، بل يصنع قادة المستقبل الذين يغيّرون العالم.
