سامح بسيوني
((فعرفت أنه قد مات، فخرجت أبحث عن مكان أبكي فيه وحدي)) قالها عمر- رضي الله عنه- عندما أنتقل النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى.
يالها من لحظات! بكت فيها السماء وأهتزت لها الجبال وتزلزلت لها الأراضين السبع، واضطربت لها البحار، وعلت لها الأمواج، وعاد حنين الجزع مرة أخرى، وبكى منبره لفراقه، وتاهت العقول لوفاته، وأظلمت المدينة وحل الظلام كما وصفها أنس بن مالك- رضي الله عنه- عندما جاء له خبر الوفاة.
فبرحيله- صلى الله عليه وسلم -ترك في صاحبته مزاجًا نفسيًا عزلهم عن الحياة انعزال ليس فيه صومعة أو رهبنة فلم تكتب في الاسلام،
فأصبحوا يعيشون بأجساد دون أرواح، وإنما تركوا أرواحهم عند بيته الذي دفن فيه.
فلم يمارسوا الصحابة حياتهم الطبيعية، بل ظلوا في غم وهم، فبلال جمع راحلته وذهب إلى الشام باكيًا حزينًا، والصديق يعتلي لأول مرة منبره باكيًا منتحبًا أسيفًا لا يسمع من صوته إلا القليل كطائر فقد وحيده، ويعلنها للبشرية جمعاء بأنه بشر كُتب عليه الموت والفناء ودموع تنهمر كشلال في يوم عاصف محمل بالغيوم والثلوج، وعلى بن طالب أظلمت عنده الدنيا وكأنه في بحر لجي يتخبط في أبحر من الظلمات.
لذلك خرجت الصحابة يردون أن يبكوا بمفردهم في صحراء شاسعة يصيحون بنحيب لا يسمعه إلا الله؛
لذلك كانت تلك الليلة التي ودعوا فيها النبي-صلى الله عليه وسلم -رُفعت فيها راية السواد الأعظم على وفاته- صلى الله عليه وسلم- فمن بعدها أدت الصحابة دورهم بأجساد وعقول واعية، ولكن الأرواح كانت مجتمعة هناك عند المرقد الشريف وهكذا غابت شمس الأنوار ،وأصبح القمر محاقًا وبكت القلوب قبل الأعين وفقد الإسلام رأيته وهديه، ولكن بقيت سنته هداية للعالمين.
