حقوق العباد بين العفو والمحاسبة في ميزان الشرع

د/حمدان محمد
في حياتنا اليومية، قد نقع في أخطاء تجاه الآخرين، سواء عن قصد أو دون قصد، مما يؤدي إلى انتهاك حقوقهم المادية أو المعنوية. ويتساءل البعض: هل تكفي العبادات والطاعات للتكفير عن هذه الحقوق؟ أم أن هناك شروطًا أخرى يجب تحقيقها؟
فمن المفاهيم المهمة في الإسلام أن حقوق العباد تختلف عن حقوق الله.
فحقوق الله – كالصلاة والصيام والذكر – يمكن للعبد أن يتوب عنها ويستغفر الله، فيغفر له إن شاء.
أما حقوق العباد، فإنها لا تُمحى إلا بإعادتها إلى أصحابها أو الحصول على عفوهم.
يقول النبي ﷺ: “من كانت له مظلمة لأخيه، فليتحلله منها اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح، أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه” (رواه البخاري). هذا الحديث يؤكد أن التوبة وحدها لا تكفي في مسألة حقوق العباد، بل يجب على الإنسان أن يؤدي الحقوق أو يطلب السماح ممن ظلمه.
وقد يظن البعض أن الإكثار من الصلاة والصيام وقراءة القرآن كفيل بمحو الذنوب، حتى لو كانت هناك مظالم للعباد. لكن الحقيقة أن العبادات تهذب الإنسان وتحثه على العدل، لكنها لا تبرر التقصير في رد الحقوق.
وروي أن النبي ﷺ قال: “أتدرون من المفلس؟” قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: “المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طُرح في النار” (رواه مسلم).
“وعند الله تجتمع الخصوم”
فمن أخطر الأمور التي حذر منها الإسلام أن بعض الحقوق قد لا تُرد في الدنيا، لكنها محفوظة عند الله ليقتص منها يوم القيامة. فقد قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (الأنبياء: 47).
لهذا، من الحكمة أن يسعى الإنسان إلى تصفية حساباته مع الناس في الدنيا قبل أن يلقى ربه، لأن يوم القيامة هو يوم الحساب العادل الذي لا مجال فيه للتحايل أو التسويف.
كيف نتعامل مع حقوق العباد؟
1. رد المظالم فورًا: إذا كان هناك حق مادي أو معنوي لأحد، فبادر بإعادته إليه دون تأخير.
2. طلب العفو من المظلومين: إذا لم تتمكن من إعادة الحق، فحاول أن تحصل على مسامحة الشخص الذي أخطأت بحقه.
3. الإحسان لمن أسأت إليهم: التعويض عن الخطأ بأفعال الخير والكلام الطيب قد يكون وسيلة لرد المظالم.
4. التحلل من الحقوق قبل فوات الأوان: لا تؤجل تصحيح أخطائك، فالدنيا دار عمل، والآخرة دار حساب.
الإسلام دين العدل والرحمة، ومن عدله أن جعل حقوق العباد لا تسقط إلا بأدائها أو العفو عنها. لذا، فلنجعل علاقتنا بالناس قائمة على العدل والإحسان، ولنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، فاليوم عمل بلا حساب، وغدًا حساب بلا عمل.