بقلم أحمد رشدي
يطل اسم نجيب محفوظ من جديد على الساحة الثقافية المصرية والعربية،
حين أعلنت اللجنة العليا معرض القاهرة الدولي للكتاب اختيار الأديب العالمي شخصية دورته السابعة والخمسين لعام 2026 في خطوة تعيد الاعتبار لصوت ظل حاضرًا رغم الغياب، وتعكس تقديرًا رسميًا لإرث أدبي لم يتوقف تأثيره يومًا.
ولد محفوظ في القاهرة عام 1911 ودرس الفلسفة في جامعة القاهرة قبل أن يتجه إلى العمل في الخدمة المدنية، حيث اكتسب معرفة واقعية عميقة بالمجتمع المصري ما أثّرت في كتاباته وجعل من رواياته شهادة صادقة على التحولات الاجتماعية والسياسية في البلاد. وعلى امتداد سبعة عقود من الإنتاج المتواصل، قدم محفوظ أكثر من ثلاثين رواية وثلاثمائة وخمسين قصة قصيرة إضافة إلى سيناريوهات وكتابات مسرحية وصحفية، شكلت جميعها رصيدًا إبداعيًا استثنائيًا لا يزال حاضرًا في الذاكرة الثقافية.

وتظل ثلاثية القاهرة بين القصرين وقصر الشوق والسكرية واحدة من أبرز الأعمال الروائية العربية التي رسمت تفاصيل الحياة المصرية في النصف الأول من القرن العشرين، بينما تبرز روايات مثل اللص والكلاب وميرامار بوصفها نصوصًا فنية ناضجة،
تعكس عمق رؤيته الفلسفية وقدرته على تحليل النفس البشرية وصراعاتها المعقدة.
وقد نالت أعماله اهتمامًا وترجمات واسعة، وتحولت العديد منها إلى أفلام ومسلسلات،
ما ساعد في ترسيخ حضوره خارج حدود العالم العربي.
وفي عام 1988 عزز محفوظ مكانته العالمية بحصوله على جائزة نوبل في الأدب كأول كاتب عربي يفوز بها، تقديرًا لأسلوبه الذي جمع بين الواقعية الدقيقة والبعد الرمزي العميق. وقد وصفت الأكاديمية السويدية أعماله بأنها تصور الإنسان في لحظاته الأكثر هشاشة وقوة على السواء، وتكشف جوهر التجربة الإنسانية بمعناها الشامل.
تكريم معرض القاهرة للكتاب لا يعيد فقط تقديم محفوظ لجيل جديد ربما لم يعاصر تأثيره المباشر لكنه يضع رواياته على طاولة القراءة والاهتمام من جديد، ويعيد ربط الجيل الجديد بتراث سردي شكّل جزءًا مهمًا من تاريخ مصر الاجتماعي والثقافي.
وقد أعلنت اللجنة المنظمة أن دورة 2026 لمعرض الكتاب ستنطلق في 21 يناير 2026،
وتستمر حتى 3 فبراير 2026 في مركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس،
على أن تُفتح أبوابها للجمهور يوم 22 يناير.
ويبقى محفوظ مهمًا اليوم لأنه كتب عن الإنسان قبل أن يكتب عن المكان،
فوضع شخصياته في قلب أسئلة الوجود والهوية والعدل والحرية، وقدم مصر لا كصورة جامدة بل ككائن حي يتغير ويتنفس ويخطئ ويتعلم. كانت لغته بسيطة لكنها مفعمة بالعمق، ومشاهده اليومية تنفتح دائمًا على أفق إنساني رحب وهذا ما يجعل صوته خالدًا،
وكلما فتح قارئ رواية له، أدرك لماذا لا يزال أثره ممتدًا عبر الزمن.
