الشعاب المرجانية.. كنز بيئي في مواجهة التغيرات المناخية

رانيا ضيف
حوار جريدة حديث وطن مع الأستاذ الدكتور السيد ضيف أستاذ التغيرات المناخية، مستشار وزيرة البيئة لشؤون المشروعات، ومستشار بمجلس الوزراء.
ألقى ضيف الضوء على واقع الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، والتحديات التي تواجهها، والحلول المقترحة لحمايتها.
حيث تمثل الشعاب المرجانية ركيزة أساسية في النظام البيئي البحري، إذ تلعب دورًا محوريًا في حماية المجتمعات الساحلية من موجات العواصف، كما تُعدّ مصدرًا غنيًا للمركبات الطبية المستخدمة في علاجات حديثة لمكافحة الأورام والأمراض الفيروسية والبكتيرية. لكن في ظل التغيرات المناخية تواجه هذه الشعاب تحديات خطيرة تهدد بقاءها.
وبسؤاله عن التنوع المرجاني في البحر الأحمر، أوضح الدكتور السيد ضيف أن البحر الأحمر يضم نحو 346 نوعًا من المرجان، وفق تقرير منظمة حماية البيئة في الغردقة “هيبكا”، بينما أشار تقرير آخر أعده وفد المملكة العربية السعودية لدى اليونسكو، في يناير 2024، إلى أن البحر الأحمر وخليج العقبة يحتضنان أكثر من 265 نوعًا من الشعاب المرجانية الفريدة، التي تتميز بقدرتها الاستثنائية على تحمل درجات حرارة تتجاوز المعدلات المعتادة بخمس درجات مئوية، مما يجعلها أكثر مقاومة لتغير المناخ مقارنة بالشعاب في مناطق أخرى من العالم.
لكن في المقابل، أكد أن هذه الشعاب تتعرض لخطر “الابيضاض”، حيث تتحول إلى اللون الأبيض بعد فقدان الطحالب التكافلية بسبب ارتفاع درجات حرارة سطح البحر. ووفقًا لأحدث تقرير صادر عن “جمعية الحفاظ على البيئة في البحر الأحمر” (هيبكا)، فقد شهد جنوب البحر الأحمر ابيضاضًا واسع النطاق في 2023-2024، مشابهًا لما حدث في عامي 2012 و2020، بينما ظلت المناطق الشمالية أكثر مقاومة لهذه الظاهرة.
أي أن ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية ليست جديدة، إذ تم تسجيلها لأول مرة في البحر الأحمر عام 2012، ثم تكررت في 2020 و2023 و2024. وتحدث هذه الظاهرة عادةً في شهر أغسطس، حين تسجل مياه البحر أعلى درجات حرارة لها.
وأوضح ضيف أن البحر الأحمر يتميز بظاهرة فريدة لحركة التيارات المائية، حيث تخلق هذه التيارات دوامات تساعد على خلط المياه العميقة الأكثر برودة بالمياه السطحية، مما يحدّ جزئيًا من تأثير ارتفاع الحرارة. ومع ذلك، فقد شهد العام الحالي تغيرًا كبيرًا، إذ امتد الابيضاض إلى مناطق لم تكن متأثرة سابقًا، مثل خليج العقبة، وبلغت نسبة الابيضاض في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر 56% من مساحة الكساء المرجاني، بينما بلغ المتوسط العام لطول الساحل المصري 28%.
وعن دور الاستزراع المرجاني كحل لتعزيز وجود الشعاب المرجانية، أوضح ضيف أن هذه التقنية لا تزال محل جدل، حيث تواجه تحديات كثيرة، من بينها التزاحم في المناطق المزروعة، وهو ما قد يؤثر سلبًا على البيئة البحرية المحيطة. وأضاف:
“لقد أجرينا تجربة استزراع مرجاني في مصر من قبل، لكنها للأسف لم تحقق النجاح المطلوب. ومع ذلك، فإن بعض تجارب الزراعة عالميًا تحقق نسب نجاح تصل إلى 40%، وهو إنجاز، لكنه مشروط بتوفير ظروف بيئية دقيقة، مثل درجة حرارة الماء، ونسبة الحموضة، ومستوى الإضاءة، وطبيعة السطح الذي تُزرع عليه الشعاب المرجانية.”
وحول سبل تعزيز حماية الشعاب المرجانية، أشار الدكتور السيد ضيف إلى أن هناك عدة توصيات يجب تبنّيها، منها:
• إعلان الشعاب المرجانية كمحميات طبيعية لضمان استغلالها بطريقة مستدامة.
• تعزيز برامج الرصد والمراقبة لمتابعة تأثير التغيرات المناخية على البيئة البحرية.
• الحدّ من أنشطة الصيد المدمرة، نظرًا لأن الأسماك تلعب دورًا حيويًا في دعم مرونة الشعاب المرجانية وتعافيها.
• إنشاء قاعدة بيانات متكاملة لرصد تأثيرات التغيرات المناخية على الشعاب المرجانية وتحليلها بعمق.
• إطلاق حملات توعية بيئية لتعزيز ثقافة الحفاظ على البيئة البحرية والتخلص الآمن من النفايات.
وأكد في ختام حديثه أن حماية الشعاب المرجانية تتطلب إدارة فعالة للمحميات الطبيعية، بحيث تُدار بطريقة تعزز قدرتها على التكيف مع التغيرات المناخية والضغوط البشرية، مشيرًا إلى أن مستقبل هذه الشعاب يعتمد على تضافر الجهود البحثية والحكومية والدولية لمواجهة التحديات المناخية المتزايدة.